عنه ونشط للمسير، ومن ثم كان القرآن الكريم سورا وجزأه القراء عشورا وأسباعا وأخماسا وأحزابا. وقدم المصنف تبعا لاصله هذا الباب على الوضوء كما قدم موجب الغسل على الغسل، وهو ترتيب طبيعي، وخالف في الروضة فقدم الوضوء ولم يقدم الغسل على موجبه، لأن الانسان يولد محدثا فيعرف الوضوء ثم ما ينتهي به، ولا يولد جنبا، فقدم موجب الغسل عليه. (هي) أي الأسباب (أربعة) ثابتة بالأدلة الآتية، وعلة النقض بها غير معقولة المعنى فلا يقاس عليها غيرها، فلا نقض بالبلوغ بالسن ولا بمس الأمرد الحسن، ولا بمس فرج البهيمة، ولا بأكل لحم الجزور على المذهب في الأربعة وإن صحح المصنف الأخير منها من جهة الدليل، ثم أجاب من جهة المذهب فقال: أقرب ما يستروح إليه في ذلك قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة. ومما يضعف النقض به أن القائل به لا يعديه إلى شحمه وسنامه مع أنه لا فرق، ولا بالقهقهة في الصلاة، وإلا لما اختص النقض بها كسائر النواقض، وما روي من أنها تنقض فضعيف، ولا بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح: أن رجلين من أصحاب النبي (ص) حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي، فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجري، وعلم النبي (ص) به ولم ينكره. وأما صلاته مع الدم فلقلة ما أصابه منه. ولا بشفاء دائم الحدث، لأن حدثه لم يرتفع فكيف يصح عد الشفاء سببا للحدث مع أنه لم يزل؟ ولا بنزع الخف، لأن نزعه يوجب غسل الرجلين فقط على الأصح. (أحدها) أي الأسباب (خروج شئ) عينا كان أو ريحا، طاهرا أو نجسا، جافا أو رطبا، معتادا كبول أو نادرا كدم انفصل، أو لا قليلا أو كثيرا طوعا أو كرها. (من قبله) أي المتوضئ الحي الواضح، ولو بخروج الولد أو أحد ذكرين يبول بهما، أو أحد فرجين يبول بأحدهما ويحيض بالآخر، فإن بال بأحدهما أو حاض به فقط اختص الحكم به.
أما المشكل فإن خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث، وإن خرج من أحدهما فالحكم كما لو خرج من ثقبة تحت المعدة مع انفتاح الأصلي، وسيأتي أنه لا نقض بها. (أو) خروج شئ من (دبره) أي المتوضئ الحي، والأصل في ذلك قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * الآية، والغائط المكان المطمئن من الأرض تقضى فيه الحاجة، سمي باسمه الخارج للمجاورة.
قال القاضي أبو الطيب: وفي الآية تقديم وتأخير ذكره الشافعي عن زيد بن أسلم رضي الله تعالى عنهما، تقديرها: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم، إلى قوله: * (أو على سفر) * فيقال عقبه: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * قال: وزيد من العالمين بالقرآن. والظاهر أنه قدرها توقيفا مع أن التقدير فيها لا بد منه، فإن نظمها يقتضي أن المرض والسفر حدثان ولا قائل به اه. وحديث الصحيحين أنه (ص) قال في المذي: يغسل ذكره ويتوضأ، وفيهما اشتكى إلى النبي (ص) الذي يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. والمراد العلم بخروجه لا سمعه ولا شمه، وليس المراد حصر الناقض في الصوت والريح، بل نفي وجوب الوضوء بالشك في خروج الريح. ويقاس بما في الآية والاخبار كل خارج مما ذكر وإن لم تدفعه الطبيعة، كعود خرج من الفرج بعد أن دخل فيه. وتعبير المصنف أولى من تعبير غيره بالسبيلين، إذ للمرأة ثلاثة مخارج اثنان من قبلها وواحد من دبرها، ولشموله ما لو خلق له ذكران فإنه ينتقض بالخارج من كل منهما كما مر، وكذا لو خلق للمرأة فرجان كما ذكره في شرح المهذب. (إلا المني) أي من الشخص نفسه الخارج منه أولا، كأن أمنى بمجرد نظر أو احتلام ممكنا مقعده فلا ينقض الوضوء، لأنه أوجب أعظم الامرين وهو الغسل بخصوصه، أي بخصوص كونه منيا، فلا يوجب أدونهما وهو الوضوء بعمومه، أي بعموم كونه خارجا، كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحدين لكونه زنا المحصن فلا يوجب أدونهما لكونه زنا. وإنما أوجبه الحيض والنفاس مع إيجابهما الغسل، لأنهما يمنعان صحة الوضوء فلا يجامعانه، بخلاف خروج المني يصح معه الوضوء في صورة سلس المني فيجامعه. وفائدة عدم النقض تظهر فيما لو كان عليه حدث أصغر وغسل جنابة فاغتسل للجنابة، ففي صحة صلاته خلاف، فههنا تصح قطعا، وفيما إذا فعل الوضوء قبل الغسل فإنه سنة. فإن قلنا ينقض نوى بالوضوء رفع الحدث الأصغر وإلا نوى سنة الغسل كما سيأتي تفصيل ذلك. أما مني غيره أو منيه إذ عاد فينقض خروجه لفقد العلة، نعم لو ولدت ولدا جافا انتقض وضوؤها كما في فتاوى شيخي أخذا من قول المصنف إن صومها يبطل بذلك، لأن الولد منعقد