مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٢
عنه ونشط للمسير، ومن ثم كان القرآن الكريم سورا وجزأه القراء عشورا وأسباعا وأخماسا وأحزابا. وقدم المصنف تبعا لاصله هذا الباب على الوضوء كما قدم موجب الغسل على الغسل، وهو ترتيب طبيعي، وخالف في الروضة فقدم الوضوء ولم يقدم الغسل على موجبه، لأن الانسان يولد محدثا فيعرف الوضوء ثم ما ينتهي به، ولا يولد جنبا، فقدم موجب الغسل عليه. (هي) أي الأسباب (أربعة) ثابتة بالأدلة الآتية، وعلة النقض بها غير معقولة المعنى فلا يقاس عليها غيرها، فلا نقض بالبلوغ بالسن ولا بمس الأمرد الحسن، ولا بمس فرج البهيمة، ولا بأكل لحم الجزور على المذهب في الأربعة وإن صحح المصنف الأخير منها من جهة الدليل، ثم أجاب من جهة المذهب فقال: أقرب ما يستروح إليه في ذلك قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة. ومما يضعف النقض به أن القائل به لا يعديه إلى شحمه وسنامه مع أنه لا فرق، ولا بالقهقهة في الصلاة، وإلا لما اختص النقض بها كسائر النواقض، وما روي من أنها تنقض فضعيف، ولا بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح: أن رجلين من أصحاب النبي (ص) حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي، فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجري، وعلم النبي (ص) به ولم ينكره. وأما صلاته مع الدم فلقلة ما أصابه منه. ولا بشفاء دائم الحدث، لأن حدثه لم يرتفع فكيف يصح عد الشفاء سببا للحدث مع أنه لم يزل؟ ولا بنزع الخف، لأن نزعه يوجب غسل الرجلين فقط على الأصح. (أحدها) أي الأسباب (خروج شئ) عينا كان أو ريحا، طاهرا أو نجسا، جافا أو رطبا، معتادا كبول أو نادرا كدم انفصل، أو لا قليلا أو كثيرا طوعا أو كرها. (من قبله) أي المتوضئ الحي الواضح، ولو بخروج الولد أو أحد ذكرين يبول بهما، أو أحد فرجين يبول بأحدهما ويحيض بالآخر، فإن بال بأحدهما أو حاض به فقط اختص الحكم به.
أما المشكل فإن خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث، وإن خرج من أحدهما فالحكم كما لو خرج من ثقبة تحت المعدة مع انفتاح الأصلي، وسيأتي أنه لا نقض بها. (أو) خروج شئ من (دبره) أي المتوضئ الحي، والأصل في ذلك قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * الآية، والغائط المكان المطمئن من الأرض تقضى فيه الحاجة، سمي باسمه الخارج للمجاورة.
قال القاضي أبو الطيب: وفي الآية تقديم وتأخير ذكره الشافعي عن زيد بن أسلم رضي الله تعالى عنهما، تقديرها: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم، إلى قوله: * (أو على سفر) * فيقال عقبه: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * قال: وزيد من العالمين بالقرآن. والظاهر أنه قدرها توقيفا مع أن التقدير فيها لا بد منه، فإن نظمها يقتضي أن المرض والسفر حدثان ولا قائل به اه‍. وحديث الصحيحين أنه (ص) قال في المذي: يغسل ذكره ويتوضأ، وفيهما اشتكى إلى النبي (ص) الذي يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. والمراد العلم بخروجه لا سمعه ولا شمه، وليس المراد حصر الناقض في الصوت والريح، بل نفي وجوب الوضوء بالشك في خروج الريح. ويقاس بما في الآية والاخبار كل خارج مما ذكر وإن لم تدفعه الطبيعة، كعود خرج من الفرج بعد أن دخل فيه. وتعبير المصنف أولى من تعبير غيره بالسبيلين، إذ للمرأة ثلاثة مخارج اثنان من قبلها وواحد من دبرها، ولشموله ما لو خلق له ذكران فإنه ينتقض بالخارج من كل منهما كما مر، وكذا لو خلق للمرأة فرجان كما ذكره في شرح المهذب. (إلا المني) أي من الشخص نفسه الخارج منه أولا، كأن أمنى بمجرد نظر أو احتلام ممكنا مقعده فلا ينقض الوضوء، لأنه أوجب أعظم الامرين وهو الغسل بخصوصه، أي بخصوص كونه منيا، فلا يوجب أدونهما وهو الوضوء بعمومه، أي بعموم كونه خارجا، كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحدين لكونه زنا المحصن فلا يوجب أدونهما لكونه زنا. وإنما أوجبه الحيض والنفاس مع إيجابهما الغسل، لأنهما يمنعان صحة الوضوء فلا يجامعانه، بخلاف خروج المني يصح معه الوضوء في صورة سلس المني فيجامعه. وفائدة عدم النقض تظهر فيما لو كان عليه حدث أصغر وغسل جنابة فاغتسل للجنابة، ففي صحة صلاته خلاف، فههنا تصح قطعا، وفيما إذا فعل الوضوء قبل الغسل فإنه سنة. فإن قلنا ينقض نوى بالوضوء رفع الحدث الأصغر وإلا نوى سنة الغسل كما سيأتي تفصيل ذلك. أما مني غيره أو منيه إذ عاد فينقض خروجه لفقد العلة، نعم لو ولدت ولدا جافا انتقض وضوؤها كما في فتاوى شيخي أخذا من قول المصنف إن صومها يبطل بذلك، لأن الولد منعقد
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532