النظر له أثر في حصول الظن في المجتهد فيه وقد فقده فلم يجز كالقبلة. وأجاب الأول بأن القبلة أدلتها بصرية. وبما قدرته سقط ما قيل إنه لو قال والأعمى يجتهد في الأظهر لكان أحسن، أي لأن المراد أنه كالبصير في أصل الاجتهاد وإن خالفه في بعض الصور، فإن الأعمى إذا تحير قلد بصيرا على الأصح. وقيل لا كالبصير، قال في المجموع: فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم. (أو) اشتبه عليه (ماء وبول) أو نحوه كأن انقطعت رائحته، (لم يجتهد) فيهما (على الصحيح) سواء أكان أعمى أم بصيرا، لأن الاجتهاد يقوي ما في النفس من الطهارة الأصلية والبول لا أصل له فيها فامتنع الاجتهاد. فإن قيل: البول له أصل في الطهارة فإن أصله ماء. أجيب بأنه ليس المراد بقولهم له أصل في التطهير الحالة التي كان عليها من قبل حتى يرد عليهم ذلك، بل المراد إمكان رده إلى الطهارة بوجه، وهذا متحقق في المتنجس بالمكاثرة بخلاف البول، والثاني: يجوز كالماء المتنجس، وقال الإمام: إنه المتجه في القياس، واختاره البلقيني. (بل يخلطان) بنون الرفع كما في خط المصنف استئنافا أو عطفا على لم يجتهد بناء على ما قاله ابن مالك أن بل تعطف الجمل، فسقط بذلك ما قيل إن الصواب حذف النون لأنه مجزوم بحذفها عطفا على يجتهد. لكن الأصح خلاف ما قاله ابن مالك، إذ شرط العطف ببل إفراد معطوفها، أي كونه مفردا، فإن تلاها جملة لم تكن عاطفة بل حرف ابتداء لمجرد الاضراب، ولا يجوز عطف يخلطان على يجتهد وأن يقرأ بحذف النون كما قاله بعض الشراح لفساد المعنى، إذ يصير التقدير: بل لم يخلطا. قال المصنف: والصب كالخلط. (ثم يتيمم) لتعذر استعمال الماء، فإن تيمم قبل ذلك لم يصح لأنه تيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة مع تقصيره بترك إعدامه. فما ذكر شرط لصحة التيمم كما صححه المصنف في شرح المهذب، وقيل: شرط لعدم وجوب القضاء، وهو مقتضى كلام الرافعي في الشرحين والمصنف في الروضة والتحقيق.
وبل هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر لا للابطال. (أو) أشتبه عليه ماء (وماء ورد) كأن انقطعت رائحته، (توضأ بكل) منهما (مرة) ليتيقن استعمال الطهور ولا يجتهد، لأن ماء الورد لا أصل له في التطهير. ويعذر في عدم الجزم بالنية كنسيان إحدى الخمس، وإن أمكنه الجزم بها بأن يأخذ غرفة من كل منهما في يد ويستعملها في شقي الوجه دفعة واحدة من غير خلط مقترنا بالنية ثم يعيد غسل وجهه ويكمل وضوءه بأحدهما ثم يتوضأ بالآخر للمشقة عليه في ذلك. وظاهر كلامهم أن ذلك جائز له عند قدرته على طهور بيقين، وإن كان مقتضى العلة كما قال في المجموع لامتناع. واستشكل الأسنوي وجوب الوضوء بالماء وماء الورد بما ذكروه فيمن معه ماء لا يكفيه لوضوئه ولو كمله بمائع يستهلك فيه كماء ورد وغيره أنه يلزمه التكميل بشرط أن لا يزيد ثمنه على ثمن القدر الناقص، فكيف يوجبون هنا استعمال ماء كامل وماء ورد مثله وهو يزيد على ذلك؟ فالصواب الانتقال إلى التيمم. وأجيب عنه بجوابين: الأول: أنه هنا قدر على طهارة كاملة بالماء وقد اشتبه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهناك لم يقدر على الكاملة فتكليفه التكميل بأزيد مما أوجبه الشرع عليه لا يتجه. الثاني: أن صورة المسألة هنا في ماء ورد انقطعت رائحته وصار كالماء، وذلك لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة بخلاف تلك. ويؤخذ من ذلك أنه لو زادت قيمته على قيمة ماء الطهارة لم يلزمه استعماله ويتيمم كما جزم به ابن المقري في الروضة (وقيل له الاجتهاد) فيهما كالماءين، وفرق الأول بمثل ما مر في البول. قال الماوردي: وله أن يجتهد فيهما لشرب ماء الورد، فإذا بان له بالاجتهاد أن أحدهما ما ورد أعده للشرب وله التطهير بالآخر للحكم عليه بأنه ماء.
واستشكل بأن الشرب لا يحتاج إلى اجتهاد. وأجيب بأن الشرب وإن لم يحتج إليه لكن شرب ماء الورد في ظنه يحتاجه فيه إليه.
تنبيه: للاجتهاد شروط علم بعضها مما مر، الأول: أن يتأيد بأصل الحل فلا يجتهد فيما اشتبه ببول كما تقدم. الثاني:
أن يقع الاشتباه في متعد فلو تنجس أحد كميه أو إحدى يديه وأشكل فلا يجتهد كما سيأتي في شروط الصلاة إن شاء الله تعالى. الثالث: أن يبقى المشتبهان، فلو تلف أحدهما لم يجتهد في الباقي بل يتيمم ولا يعيد وإن بقي الآخر، لأنه ممنوع من استعماله غير قادر على الاجتهاد. الرابع: بقاء الوقت، فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى وأعاد، قاله العمراني في البيان. الخامس: أن يكون للعلامة فيه مجال بأن يتوقع ظهور الحال فيه كالثياب والأواني والأطعمة، فلا يجتهد فيما إذا اشتبهت محرمة بأجنبية فأكثر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح أو ميتة بمذكاة أو نحو ذلك وأسقط ابن المقرى هذا الشرط. قال شيخنا: