نهت السائل عن ذلك ولان القضاء محله فيما أمر بفعله. وعن ابن الصلاح والروياني و العجلي: أنه مكروه، بخلاف المجنون والمغمى عليه فيسن لهما القضاء اه. والأوجه كما قاله شيخنا عدم التحريم، ولا يؤثر فيه نهي عائشة رضي الله عنها.
والتعليل المذكور منتقض بقضاء المجنون والمغمى عليه، وعلى هذا تنعقد صلاتها أو لا؟ فيه نظر، والأوجه عدم الانعقاد، لأن الأصل في الصلاة إذا لم تكن مطلوبة عدم الانعقاد ووجوب القضاء عليها في الصوم بأمر جديد من النبي (ص) فلم يكن واجبا حال الحيض والنفاس كما مر لأنها ممنوعة منه، والمنع والوجوب لا يجتمعان. وثالثها: الطلاق من ممسوسة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، لقوله عز وجل: * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة، والمعنى فيه تضررها بطول المدة فإن زمن الحيض لا يحسب من العدة فإن كانت حاملا لم يحرم طلاقها، لأن عدتها إنما تنقضي بوضع الحمل. ورابعها: الطهارة لرفع الحدث، فتحرم عليها إذا قصدت التعبد بها مع علمها بأنها لا تصح لتلاعبها. أما الطهارة المقصودة للتنظيف كأغسال الحج، فإنها تأتي بها كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
(و) خامسها: أنه يحرم الوطئ في فرجها ولو بحائل والمباشرة ب (- ما بين سرتها وركبتها) ولو بلا شهوة، لقوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) *، ولخبر أبي داود بإسناد جيد أنه (ص) سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: ما فوق الإزار وخص بمفهومه عموم خبر مسلم: اصنعوا كل شئ إلا النكاح ولان الاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الجماع فحرم لخبر:
من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (وقيل لا يحرم غير الوطئ) واختاره في التحقيق لخبر مسلم السابق بجعله مخصصا لمفهوم خبر أبي داود. قال شيخنا: وما قاله الأصحاب أوجه لما فيه من رعاية الأحوط للخبر السابق. وخرج بما بين السرة والركبة هما وباقي الجسد فلا يحرم الاستمتاع بهما. وعبرت بالمباشرة تبعا للتحقيق والمجموع ليخرج الاستمتاع بالنظر ولو بشهوة، فإنه لا يحرم إذ ليس هو أعظم من تقبيلها في وجهها بشهوة. وعبر الرافعي في الشرحين والمحرر وتبعه في الروضة بالاستمتاع، وهو يشمل النظر واللمس بشهوة، قال الأسنوي: فبين التعبير بالاستمتاع والمباشرة عموم وخصوص من وجه، أي لأن المباشرة لا تكون إلا باللمس سواء أكان بشهوة أم لا، والاستمتاع يكون باللمس والنظر ولا يكون إلا بشهوة.
قال: وسكتوا عن مباشرة المرأة للزوج، والقياس أن مسها للذكر ونحوه من الاستمتاعات المتعلقة بما بين السرة والركبة حكمه حكم تمتعاته بها في ذلك المحل اه. والصواب كما قاله بعض المتأخرين في نظم القياس أن نقول: كل ما منعناه منه تمنعها أن تلمسه به، فيجوز له أن يلمس بجميع بدنه سائر بدنها إلا ما بين سرتها وركبتها، ويحرم عليه تمكينها من لمسه بما بينهما.
ووطئ الحائض في الفرج كبيرة من العامد العالم بالتحريم المختار، يكفر مستحله كما في المجموع عن الأصحاب وغيرهم، بخلاف الجاهل والناسي والمكره، لخبر: إن الله تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهو حسن رواه البيهقي وغيره. ويسن للواطئ المتعمد المختار العالم بالتحريم في أول الدم وقوته التصدق بمثقال إسلامي من الذهب الخالص، وفي آخر الدم وضعفه بنصف مثقال لخبر: إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار رواه أبو داود والحاكم وصححه. ويقاس النفاس على الحيض. ولا فرق في الواطئ بين الزوج وغيره، فغير الزوج مقيس على الزوج الوارد في الحديث. والوطئ بعد انقطاع الدم إلى الطهر كالوطئ في آخر الدم ذكره في المجموع، ويكفي التصدق ولو على فقير واحد، وإنما لم يجب لأنه وطئ محرم للأذى إذ لا يجب به كفارة كاللواط، ويستثنى من ذلك المتحيرة فلا كفارة بوطئها وإن حرم، ولو أخبرته بحيضها ولم يمكن صدقها لم يلتفت إليها، وإن أمكن وصدقها حرم وطؤها، وإن كذبها فلا لأنها ربما عائدته ولان الأصل عدم التحريم بخلاف ما لو علق به طلاقها وأخبرته به فإنها تطلق وإن كذبها لتقصيره بتعليقه بما لا يعرف إلا من جهتها. ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من ماء أو عجين أو نحوه. (فإذا انقطع) دم الحيض ومثله النفاس لزمن إمكانه ارتفع عنها سقوط الصلاة، و (لم يحل) مما حرم به (قبل الغسل) أو التيمم (غير الصوم) لأن تحريمه بالحيض لا بالحدث بدليل صحته من الجنب وقد زال. (و) غير (الطلاق) المزيد على المحرر، لزوال المعنى المقتضي للتحريم، وهو تطويل العدة وغير الطهر، فإنها مأمورة به وغير الصلاة المكتوبة إذا فقدت الطهورين،