وما عدا ذلك من المحرمات فهو باق إلى أن تطهر بماء أو تيمم، أما ما عدا الاستمتاع فلان المنع منه إنما هو لأجل الحدث والحدث باق. وأما الاستمتاع فلقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * وقد قرئ بالتشديد والتخفيف في السبع. أما قراءة التشديد فصريحة فيما ذكر، وأما التخفيف، فإن كان المراد به أيضا الاغتسال كما قال ابن عباس وجماعة لقرينة قوله: * (فإذا تطهرن) * فواضح، وإن كان المراد به انقطاع الحيض، فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * فلا بد منهما معا.
فائدة: حكى الغزالي أن الوطئ قبل الغسل يورث الجذام في الولد. ثم لما فرغ من أحكام الحيض شرع في بيان الاستحاضة وحكمها فقال: (والاستحاضة) وقد تقدم تعريفها ويأتي فيها مزيد بيان. فإن قيل: قوله: (حدث دائم) ليس حد الاستحاضة وإلا لزم كون سلس البول استحاضة، وليس كذلك وإنما هو بيان لحكمها الاجمالي، أي حكم الدم الخارج بالصفة المذكورة حكم الحدث الدائم، وقوله: (كسلس) بفتح اللام، أي سلس البول والمذي والغائط والريح، هو للتشبيه لا للتمثيل. أجيب بعدم لزوم ما ذكر لأنه إنما حكم على الاستحاضة بأنها حدث دائم، ولا يلزم من ذلك أن سلس البول ونحوه استحاضة، وقوله كسلس مثال للحدث الدائم. (فلا تمنع الصوم والصلاة) وغيرهما مما يمنعه الحيض كسائر الاحداث للضرورة، ولامره (ص) حمنة بهما وكانت مستحاضة كما صححه الترمذي. ثم شرع في بيان حكمها التفصيلي فقال: (فتغسل المستحاضة فرجها) قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تتيمم، (و) بعد ذلك (تعصبه) بفتح التاء وإسكان العين وتخفيف الصاد المكسورة على المشهور، بأن تشد وبعد غسله بخرقة مشقوقة الطرفين تخرج أحدها من أمامها والآخر من خلفها وتربطهما بخرقة تشدها على وسطها كالتكة، فإن احتاجت في رفع الدم أو تقليله إلى حشو بنحو قطن وهي مفطرة ولم تتأذ به، وجب عليها أن تحشو قبل الشد والتلجم، وتكتفي به إن لم تحتج إليهما. أما إذا كانت صائمة أو تأذت باجتماعه فلا يجب عليها الحشو، بل يلزم الصائمة تركه إذا كان صومها فرضا. فإن قيل: لم حافظوا هنا على مصلحة الصوم لا على مصلحة الصلاة عكس ما فعلوا فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر وطلع الفجر وطرفه خارج فهلا سووا بينهما أجيب بأن الاستحاضة علة مزمنة فالظاهر دوامها، فلو راعينا الصلاة هنا لتعذر قضاء الصوم للحشو، ولان المحذور هنا لا ينتفي بالكلية فإن الحشو تنجس وهي حاملته بخلافه ثم.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره تعين غسل فرجها. قال الأذرعي: لكن قضية كلام المصنف في الاستنجاء إجزاء الحجر في الأظهر، وصرح به في التنقيح هناك، قال: ولعل مرادهم هنا ما إذا تفاحش بحيث لا يجزئ الحجر في مثله من المعتاد. (و) بعد ذلك (تتوضأ) وتجب المبادرة به أو ببدله عقب الاحتياط، ولذلك قيل: لو عبر بالفاء لكان أولى. ويكون ذلك (وقت الصلاة) لأنه طهارة ضرورة فلا تصح قبل الوقت كالتيمم. وقد سبق بيان الأوقات في بابه فيجئ هنا جميع ما سبق ثم، قاله في المجموع، فدخل في ذلك النوافل والمؤقتة فلا تتوضأ لها قبل وقتها، وهو كذلك. ولا يفهم من ذلك أنه يمتنع عليها أن تجمع بين نوافل بوضوء كما قيل لما سيأتي أنه يجب الوضوء لكل فرض. (و) بعدما ذكر (تبادر بها) أي بالصلاة وجوبا تقليلا للحدث لأنه يتكرر منها وهي مستغنية عنه بالمبادرة، بخلاف المتيمم السليم لانتفاء ما ذكر، أما غير السليم فالحكم فيه كما هنا. (فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر) لعورة وأذان وإقامة (وانتظار جماعة) واجتهاد في قبلة وذهاب إلى مسجد وتحصيل ستر، (لم يضر) لأنها لا تعد بذلك مقصرة. فإن قيل: كيف يصح التمثيل بأذان المرأة مع أنه غير مشروع لها؟ أجيب بأنه محمول على الإجابة، وبأن تأخيرها للاذان لا يستلزم أذانها. ولو اعتادت الانقطاع بقدر ما يسع الوضوء والصلاة فانقطع وجب عليها المبادرة، ولا يجوز لها التأخير لجماعة ولا لغيرها. (وإلا) بأن أخرت لا لمصلحة الصلاة كأكل وشرب وغزل وحديث، (فيضر) التأخير (على الصحيح) فيبطل وضوؤها فتجب إعادته وإعادة الاحتياط لتكرر الحدث والنجس مع استغنائها عن احتمال ذلك بقدرتها على المبادرة، والثاني: لا يضر كالمتيمم. قال في المجموع: وحيث أوجبنا