فرع إذا تعدى المستأجر للحنطة، فزرع الذرة، ولم يتخاصما حتى انقضت المدة وحصد الذرة، فالمذهب، وهو نصه في المختصر وبه قال أبو علي الطبري والقاضي أبو حامد: أن المؤجر بالخيار، بين أن يأخذ المسمى وبدل النقصان الزائد بزراعة الذرة على ضرر الحنطة، وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة. وقال كثيرون: في المسألة قولان. أحدهما: تعيين أجرة المثل للذرة.
والثاني: تعيين المسمى وبدل النقص. وقال ابن القطان: قولان. أحدهما:
المسمى وبدل النقص. والثاني: التخيير.
قلت: وهل يصير ضامنا للأرض غاصبا؟ وجهان حكاهما الشاشي في المستظهري أصحهما: لا. والله أعلم ولو تخاصما عند إرادته زراعة الذرة، منع منها، وإن تخاصما بعد زراعتها وقبل حصادها، فله قلعها. وإذا قلع، فإن تمكن من زراعة الحنطة، زرعها، وإلا، فلا يزرع، وعليه الأجرة لجميع المدة، لأنه الذي فوت مقصود العقد. ثم إن لم تمض على بقاء الذرة مدة تتأثر الأرض بها، فذاك، وإن مضت، فالمستحق أجرة المثل؟ أم قسطها من المسمى مع بدل النقصان؟ أم يتخير بينهما؟ فيه الطرق السابقة. والطرق جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها، فأسكنها الحدادين أو القصارين، أو دابة ليحمل عليها قطنا، فحمل بقدره حديدا، أو غرفة ليضع فيها مائة رطل حنطة، فأبدلها بحديد، وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد.
فلو تميز، بأن استأجر دابة لحمل خمسين رطلا، فحمل مائة، أو إلى موضع، فجاوزه، وجب المسمى وأجرة المثل لما زاد قطعا. ولو عدل عن الجنس المشروط إلى غيره، بأن استأجر للزرع، فغرس، أو بنى، وجبت أجرة المثل على المذهب. وقيل بطرد الخلاف. وإذا قلنا بالمذهب في أصل المسألة: إنه يتخير، فاختار المسمى وبدل النقصان الزائد، فمثله أجرة مثلها للحنطة خمسون، وللذرة سبعون، وكان المسمى أربعين، فله الأربعون والتفاوت بين الأجرتين وهو عشرون.
قلت: وإذا حصد المستأجر ما أذن فيه بعد المدة، لزمه قلع ما يبقى في الأرض من قصب الزرع وعروقه، لأنه عين ماله، فلزمه إزالته عن ملك غيره. وممن صرح به، صاحب البيان. والله أعلم