وأما الهدية، ففيها وجهان. أحدهما: يشترط فيها الايجاب والقبول، كالبيع والوصية، وهذا ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والمتلقين عنه. والثاني: لا حاجة فيها إلى إيجاب وقبول باللفظ، بل يكفي القبض ويملك به، وهذا هو الصحيح الذي عليه قرار المذهب ونقله الاثبات من متأخري الأصحاب، وبه قطع المتولي والبغوي، واعتمده الروياني وغيرهم، واحتجوا بأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله (ص) فيقبلها، ولا لفظ هناك، وعلى جرى ذلك الناس في الأعصار، ولذلك كانوا يبعثون بها على أيدي الصبيان الذين لا عبارة لهم.
فإن قيل: هذا كان إباحة لا هدية وتمليكا، فجوابه أنه لو كان إباحة، لما تصرفوا فيه تصرف الملاك، ومعلوم أن ما قبله النبي (ص)، كان يتصرف فيه ويملكه غيره. ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الايجاب والقبول على الامر المشعر بالرضى دون اللفظ، ويقال: الاشعار بالرضى قد يكون لفظا وقد يكون فعلا.
فرع الصدقة كالهدية بلا فرق فيما ذكرناه، وسواء فيما ذكرناه في الهدية الأطعمة وغيرها.
فرع في مسائل تتعلق بما سبق إحداها: حيث اعتبرنا الايجاب والقبول، لا يجوز التعليق على شرط، ولا التوقيت على المذهب، وفيهما كلام سنذكره في العمرى إن شاء الله تعالى، وكذلك لا يجوز تأخير القبول عن الايجاب، بل يشترط التواصل المعتاد كالبيع، وعن ابن سريج جواز تأخير القبول كما في الوصية، وهذا الخلاف حكاه كثيرون في الهبة، وخصه المتولي بالهدية، وجزم بمنع التأخير في الهبة، والقياس التسوية بينهما. ثم في الهدايا التي يبعث بها (من) موضع إلى موضع، وإن اعتبرنا اللفظ والقبول على الفور، فاما أن يوكل الرسول