وفيهم من قال: إن الكفن يستر الميت فإذا ذهب السيل بالميت أو أكله السبع زال المعنى ولا يرجى عوده، وليس كذلك المسجد، لأنه إنما وقف للصلاة، وذلك المعنى حاصل، لأن المارة يصلون فيه، ويرجى عمارة القرية كما كانت.
فأما إذا وقف دارا على قوم ثم انهدمت الدار لم يكن للموقوف عليهم بيع العرصة، وقال أحمد: لهم بيع العرصة، لأنهم لا يتوصلون إلى الانتفاع بها إلا على ذلك الوجه، وقد بينا مذهبنا أنه يجوز بيع الوقف إذا خيف خرابه وبطلانه أو خيف خلف بين الأرباب.
إذا انقطعت نخلة من أرض الوقف أو انكسرت جاز بيعها لأرباب الوقف، لأنه تعذر الانتفاع بها على الوجه الذي شرطه، وهو أخذ ثمرتها، وقيل: لا يجوز، لأنه لا يجوز بيعه قبل الاختلال، فكذلك بعده، والأول أقوى.
إذا وقف على بطون فأكرى البطن الأول عشر سنين وانقرضوا لخمس سنين فإنه تبطل الإجارة، لأن الموت يبطلها على ما بيناه، ومن قال الموت لا يبطلها قال هاهنا: لا تبطل، وربما قال: تبطل هاهنا لأن البطن الثاني يأخذ عن الواقف لا عن البطن الأول، فقد بينا أنهم تصرفوا في حق الغير وكان باطلا.
فإذا ثبت هذا، فمن قال: لا تبطل، فللبطن الأول ما قابل مدتهم وللبطن الثاني ما قابل مدتهم من الأجرة، فإن كان القدر الذي يخص البطن الثاني على المستأجر أخذوه منه، وإن كان البطن الأول أخذوه رجعوا عليهم في تركتهم به، ومن قال: تبطل، فهل تبطل في الثاني؟ قيل فيه قولان - مثل تفريق الصفقة - أصحهما أنه لا يبطل في الجميع، الثاني يبطل.
فمن قال: يبطل في الجميع، كان للبطن الأول أجرة المثل لمدتهم، وكان البطن الثاني بالخيار فيما بقي من المدة، فإن شاءوا أكروه إياه وإن شاءوا أكروه من غيره، ومن قال: لا يبطل - وهو الصحيح -، فللبطن الأول ما قابل ذلك من المسمى، والبطن الثاني بالخيار في حقهم على ما مضى.