من بلغ انتهاء الذبول وقلما يقبل العلاج الا ما شاء الله وخصوصا إذا بلغ إلى أن يدق اللحم فإذا فنيت هذه وأخذت تفنى الرطوبات التي من القسم الثالث كما تأخذ الشعلة تحرق جرم الذبال ورطوباته الأصلية كانت الدرجة الثالثة ويسمى المفتت والمحشف وباليونانية أوماطيس يحقق من املسعون وهذه العلة من الحميات التي لا نوائب لها ولا أوقات نوائب وقد قال قوم اما أن يكون تعلق الحمى الدقية بالرطوبات القريبة العهد بالجمود واما بمثل اللحم واما بالأعضاء الأصلية الصلبة كالعظام والعصب وهذا القول ان فهم منه أنه يتعلق على سبيل أنه يفنى ما فيه من الرطوبة المتصلة به كان المعنى الأول سواء وان عنى أن أول ما يفنيه الدق هي الرطوبات القريبة العهد بالجمود لم يكن القول قولا صحيحا والدق قد يقع بعد حمى يوم وقد يقع بعد حميات العفونة والأورام ويبعد أن يعرض الدق ابتداء فتكون الأعضاء الأصلية قد اشتعلت ولم يشتعل خلط ولا روح قبل ذلك بل يجب أن يسخن تلك أولا ثم على مر الأيام تسخن الأعضاء الأصلية اللهم الا أن يعرض سبب قوى جدا والسبب الواحد قد يكون سببا للدق وقد يكون سببا لحمى يوم بسبب شدة تعلقه وضعف تعلقه مثل النار فإنها تلقى الحطب على وجهين أحدهما وجه تسخين له وتبخير فيه والثاني على سبيل اشتعال وحمى العفونة والورم تنتقل كثيرا إلى الدق يسبب شدة الحمى وشدة تلطيف الغذاء فيه ومنع الماء البارد وقلة مراعاة جانب القلب بالأطلية والأضمدة وخصوصا في أمراض أعضاء مجاورة للقلب مثل الحجاب وكثيرا ما يوقع فيه اضطرار الطبيب لسقوط القوة وتواتر الغشي إلى سقى الخمر وماء اللحم ودواء المسك ونحوه وقد يتركب الدق مع حميات العفونة والأورام والدق في أول الامر عسر المعرفة سهل العلاج وفي آخره سهل المعرفة صعب العلاج وآخر الذبول غير قابل للعلاج البتة (العلامات) أما النبض فيكون دقيقا صلبا متواترا ضعيفا ثابتا على حال واحدة واما ملمسهم فيكون ما يحس من حرارته دون حرارة سونوخس ونحوها المشتعلة في مواد وفي ابتداء ما يلمس يكون اهدأ فإذا بقى عليه اليد ساعة ظهرت بقوة ولذع ولم يزل ينمو ويكون أسخن ما فيه مواضع العروق والشرايين وتكون حرارتهم متشابهة لا تنقص لكنها إذا ورد عليها الغذاء نمت به واشتدت وقوى النبض واخذ في العظم وكذلك ما يعرض للجهال من الأطباء ان يمنعوهم الغذاء لما يعرض منه من هذا العارض فيهلكوهم كما تنمو الشعلة عند إصابة الدهن والمقلى عند صب الماء عليه وهذه من دلائلها القوية والغذاء في سائر الحميات ليس لا محالة يوجب هذا الاتقاد وان أوجب اضطراب حركات للطبيعة وهذا الاتقاد لا يكون كاتقاد سائر الحميات بعد تضاغط ولا على أدوار معلومة بل كما يغذ وفي أي وقت كان ويكون صاحب المرض غير شديد الشعور بما فيه من الحرارة لأنها صارت مزاجا للعضو متفقا وقد علمت في الكتاب الأول كيفية الحال في مثل ذلك لكنها تظهر عند تناول شئ من الأغذية لاشتدادها ومن دلائل انتقال حمى اليوم إلى حمى الدق شدة اشتداد الحرارة في الثالث جدا وفي الأكثر تأخذ الحمى بعد اثنتي عشرة ساعة في الانحطاط وإذا جاوزت الحمى اثنتي عشر ساعة ولم تظهر علامات انحطاط بل استمرت إلى الثالث واشتدت فذلك دق ومن دلائل تركب الدق مع حميات العفونة بقاء حرارة يابسة بعد آخر الانحطاط وبعد العرق الوافر وزيادة في الذبول والنحافة على ما توجبه تلك العلة ودهنية في البول والبراز
(٥٩)