التابعة للأمور السماوية فمثل ما يعرض بسبب الكواكب فإنها تارة يجتمع كثير من الدراري منها في حيز واحد ويجتمع مع الشمس فيوجب ذلك افراط التسخين فيما يسامته من الرؤس أو يقرب منه وتارة يتباعد عن سمت الرؤس بعدا كثيرا فينقص من التسخين وليس تأثير المسامتة في التسخين كتأثير دوام المسامتة أو المقاربة وأما الأمور الأرضية فبعضها بسبب عروض البلاد وبعضها بسبب ارتفاع بقعة البلاد وانخفاضها وبعضها بسبب الجبال وبعضها بسبب البحار وبعضها بسبب الرياح وبعضها بسبب التربة وأما الكائن بسبب العروض فان كل بلد يقارب مدار رأس السرطان في الشمال أو مدار رأس الجدي في الجنوب فهو أسخن صيفا من الذي يبعد عنه إلى خط الاستواء والى الشمال ويجب ان يصدق قول من يرى أن البقعة التي تحت دائرة معدل النهار قريبة إلى الاعتدال وذلك أن السبب السماوي المسخن هناك هو سبب واحد هو مسامتة الشمس للرأس وهذه المسامتة وحدها لا تؤثر كثير أثر بل انما تؤثر مداومة المسامتة ولهذا ما يكون الحر بعد الصلاة الوسطى أشد منه في وقت استواء النهار ولهذا ما يكون الحر والشمس في آخر السرطان وأوائل الأسد أشد منه إذا كانت الشمس في غاية الميل ولهذا تكون الشمس إذا انصرفت عن رأس السرطان إلى حد ما هو دونه في الميل أشد تسخينا منها إذا كانت في مثل ذلك الحد من الميل ولم يبلغ بعد رأس السرطان والبقعة المسامتة لخط الاستواء انما تسامت فيها الشمس الرأس أياما قليلة ثم تتباعد بسرعة لان تزايد أجزاء الميل عند العقدتين أعظم كثيرا من تزايدها عند المنقلبين بل ربما لم يؤثر عند المنقلبين حركة أيام ثلاثة أو أربعة وأكثر منها أثرا محسوسا ثم إن الشمس تبقى هناك في حيز واحد متقارب مدة مديدة فيمعن في الاسخان فيجب أن يعتقد من هذا ان البلاد التي عروضها متقاربة للميل كله هي أسخن البلاد وبعدها ما يكون بعده عنه في الجانبين القطبيين مقاربا لخمس عشرة درجة ولا يكون الحر في خط الاستواء بذلك المفرط الذي يوجبه المسامتة في قرب مدر رأس السرطان في المعمورة لكن البرد في البلاد المتباعدة عن هذا المدار إلى الشمالي أكثر فهذا ما يوجبه اعتبار عروض المساكن على انها في سائر الأحوال متشابهة وأما الكائن بحسب وضع البلد في نجلد من الأرض أو غور فان الموضوع في الغور أسخن أبدا والمرتفع العالي مكانه أبرد أبدا فان ما يقرب من الأرض من الجو الذي نحن فيه أسخن لاشتداد شعاع الشمس بقرب الأرض وما يبعد منه إلى حد هو أبرد والسبب فيه في الجزء الطبيعي من الحكمة وإذا كان الغور مع ذلك كالهوة كان أشد حصرا للشعاع وأسخن وأما الكائن بسبب الجبال فما كان الجبل فيه بمعنى المستقر فهو داخل في القسم الذي بيناه وما كان الجبل فيه بمعنى المجاور فهو الذي نريد ان نتكلم الآن فيه فنقول ان الجبل يؤثر في الجو على وجهين أحدهما من جهة رده على البلد شعاع الشمس أو ستره إياه دونه والآخر من جهة منعه الريح أو معاونته لهبوبها أما الأول فمثل أن يكون في البلاد حتى في الشماليات منها جبل مما يلي الشمال من البلد فتشرق عليه الشمس في مدارها وينعكس تسخينه إلى البلد فيسخنه وان كان شماليا وكذلك ان كانت الجبال من جهة المغرب فانكشف المشرق وان كان من جهة المشرق كان دون ذلك هذا المعنى لان الشمس إذا زالت فأشرقت على ذلك الجبل فإنها كل ساعة تتباعد عنه فينقص من كيفية
(٨٨)