الشعاع المشرق منها عليه ولا كذلك إذا كان الجبل مغربيا والشمس تقرب منه كل ساعة وأما من جهة منع الريح فأن يكون الجبل يصد عن البلد مهب الشمال المبرد أو يكبس إليه مهب الجنوبي المسخن أو يكون البلد موضوعا بين صدفي جبلين منكشفا لوجه ريح فيكون هبوب تلك الريح هناك أشد منه في بلد مصحر لان الهواء من شأنه إذا انجذب في مسلك ضيق ان يستمر به الانجذاب فلا يهدأ وكذلك الماء وغيره وعلته معروفة الطبيعيات وأعدل البلاد من جهة الجبال وسترها والانكشاف عنها ان تكون مكشوفة للمشرق والشمال مستورة نحو المغرب والجنوب وأما البحار فإنها توجب زيادة ترطيب للبلاد المجاورة لها جملة فان كانت البحار في الجهات التي تلي الشمال كان ذلك معينا على تبريدها بترقرق ريح الشمال على وجه الماء الذي هو بطبعه بارد وان كان مما يلي الجنوب أوجب زيادة في غلظ الجنوب وخصوصا لم تجد منفذا لقيام جبل في الوجه وإذا كان في ناحية المشرق كان ترطيبه للجو أكثر منه إذا كان في ناحية المغرب إذا الشمس تلح عليه بالتحليل المتزايد مع تقارب الشمس ولا تلح على المغربية وبالجملة فان مجاورة البحر توجب ترطيب الهواء ثم إن كثرت الرياح وتسربت ولم تعارض بالجبال كان الهواء أسلم من العفونة فان كانت الرياح لا تتمكن من الهبوب كانت مستعدة للتعفن وتعفين الأخلاط وأوفق الرياح لهذا المعنى هي الشمالية ثم المشرقية والمغربية وأضرها الجنوبية وأما الكائن بسبب الرياح فالقول فيها على وجهين قول كلي مطلق وقول بحسب بلد بلد وما يخصه فاما القول الكلى فان الجنوبية أكثر البلاد حارة رطبة أما الحرارة فلأنها تأتينا من الجهة المتسخنة بمقاربة الشمس واما الرطوبة فلان البحار أكثرها جنوبية عنا ومع أنها جنوبية فان الشمس تفعل فيها بقوة وتبخر عنها أبخرة تخالط الرياح فلذلك صارت الرياح الجنوبية مرخية واما الشمالية فإنها باردة لأنها تجتاز على جبال وبلاد باردة كثيرة الثلوج ويابسة لأنها لا يصبحها أبخرة كثيرة لان التحلل في جهة الشمال أقل ولا تجتاز على مياه سائلة بحرية بل اما ان تجتاز في الأكثر على مياه جوامد أو على البراري والمشرقية معتدلة في الحر والبرد لكنها أيبس من المغربية إذ شمال المشرق أقل بخارا من شمال المغرب ونحن شماليون لا محالة والمغربية رطب يسيرا لأنها تجتاز على بحار ولأن الشمس تخالفها بحركتها فان كل واحد من الشمس ومنها كالمضاد للآخر في حركته فلا تحللها الشمس تحليلها للرياح المشرقية وخصوصا وأكثر مهب الرياح المشرقيات عند ابتداء النهار وأكثر مهب المغربيات عند آخر النهار ولذلك كانت المغربيات أقل حرارة من المشرقيات وأميل إلى البرد والمشرقيات أكثر حرا وان كانا كلاهما بالقياس إلى الرياح الجنوبية والشمالية معتدلين وقد تتغير أحكام الرياح في البلاد بحسب أسباب أخرى فقد يتفق في بعض البلاد أن تكون الرياح الجنوبية فيها أبرد إذا كان بقربها جبال ثالجة جنوبية فتستحيل الريح الجنوبية بمرورها عليها إلى البرد وربما كانت الشمالية أسخن من الجنوبية إذا كان مجتازها ببراري محترقة وأما السمائم فهي اما رياح مجتازة ببراري حارة جدا واما رياح من جنس الأدخنة التي تفعل في الجو علامات هائلة تشبيهة بالنار فأنها ان كانت ثقيلة يعرض لها هناك اشتعال أو التهاب ففارقها اللطيف نزل الثقيل وبه بقية التهاب ونارية فان جميع الرياح القوية على
(٨٩)