وفسادها وتغيرها عن الصلوح لامداد الحياة وهذا غير الوجه الأول وان كان يؤذى تأذية ذلك إلى الجفاف بان يفسد أولا الرطوبة ويخالف هيئة صلوحيتها لأبداننا ثم آخر الامر يتحلل عن التعفن فان العفونة تفيد أولا الرطوبة ثم تحللها وتذر الشئ اليابس الرمادي وهاتان الآفتان خارجتان عن الآفات اللاحقة من أسباب أخرى كالبرد المجمد والسموم وأنواع تفرق الاتصال المهلك وسائر الأمراض ولكن النوعين المذكورين أخص تسخينا هذا وأحرى ان نعتبرهما في حفظ الصحة وكل واحد منهما يقع من أسباب خارجة ومن أسباب باطنة أما الأسباب الخارجة فمثل الهواء المحلل والمعفن وأما الأسباب الباطنة فمثل الحرارة الغريزية التي فينا المحللة لرطوباتنا والحرارة الغريبة المتولدة فينا عن أغذيتنا وغيرها المتعفنة وهذه الأسباب كلها متعاونة على تجفيفنا بل أول استكمالنا وبلوغنا وتمكننا من أفاعيلنا يكون بجفاف كثير يعرض لنا ثم يستمر الجفاف إلى أن يتم ومذا الجفاف الذي يعرض لنا أمر ضروري لابد منه فانا من أول الامر ما نكون في غاية الرطوبة ويجب لا محالة ان تكون حرارتنا مستولية عليها والا احتقنت فيها فهي تفعل فيها لا محالة دائما وتجففها دائما ويكون أول ما يظهر من تجفيفها هو إلى الاعتدال ثم إذا بلغت أبداننا إلى الحد المعتدل من الجفاف والحرارة بحالها لا يكون التجفيف بقدر التجفيف الأول بل أقوى لان المادة أقل فهي أقبل فيؤدى لا محالة إلى أن يزداد التجفيف على المعتدل فلا يزال يزداد لا محالة إلى أن تفنى الرطوبات فتصير الحرارة الغريزية بالعرض سبب لاطفاء نفسها إذ صارت سببا لافناء مادتها كالسراج الذي يطفأ إذا فنيت مادته وكلما أخذ التجفيف في الزيادة أخذت الحرارة في النقصان فعرض دائما عجز مستمر إلى الامعان وعجز عن استبدل الرطوبة بدل ما يتحلل متزايد دائما فيزداد التجفيف من وجهين أحدهما لتناقص لحوق المادة والآخر لتناقص الرطوبة في نفسها بتحليل الحرارة فيزداد ضعف الحرارة لاستيلاء اليبوسة على جوهر الأعضاء ونقصان الرطوبة الغريزية التي هي كالمادة وكالدهن للسراج لان السراج له رطوبتان ماء ودهن يقوم بأحدهما وينطفئ بالآخر كذلك الحرارة الغريزية تقوم بالرطوبة الغريزية وتختنق بالغريبة وازدياد الرطوبة الغريبة التي هي عن ضعف الهضم التي هي كالرطوبة المائية للسراج فإذا تم الجفاف طفئت الحرارة وكان الموت الطبيعي وانما بقى البدن مدة بقائه لا لان الرطوبة الطبيعية الأولية قاومت تحليل حرارة العالم وحرارة بدنه في غريزته وما يحدث من حركاته هذه المقاومة المديدة فإنها أضعف مقاومة من ذلك لكن انما أقامها الاستبدال بدل ما يتحلل منها وهو الغذاء ثم قد بينا ان الغذاء انما تتصرف فيه القوة وتستعمله إلى حد وصناعة حفظ الصحة ليست صناعة تضمن الأمان عن الموت ولا تخلص البدن عن الآفات الخارجة ولا ان تبلغ بكل بدن غاية طول العمر الذي يحب الانسان مطلقا بل انما تضمن أمرين منع العفونة أصلا وحماية الرطوبة كي لا يسرع إليها التحلل وفي قوتها ان تبقى إلى مدة تقتضيها بحسب مزاجها الأول ويكون ذلك بالتدبير الصواب في استبدال البدن بدل ما يتحلل مقدار الممكن والتدبير المانع من استيلاء أسباب معجلة للتجفيف دون الأسباب الواجبة للتجفيف وبالتدبير المحرز عن تولد العفونة لحماية البدن وحراسته عن استيلاء حرارة غريبة خارجا أو داخلا إذ ليس الأبدان كلها متساوية في قوة الرطوبة الأصلية
(١٤٩)