يعود على المؤمنين المخاطبين في الآية المتقدمة على نحو الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ويكون قوله تعالى: (وأن الفضل) معطوف على المجرور بلام التعليل في (لئلا)، أي يتفضل على المؤمنين حق الإيمان بالهدى والثروة والشوكة لكيلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدر المؤمنون على شئ من ذلك، ولأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
والسبب المقتضي للالتفات هو أن التعليل المذكور في الآية الثانية غير داخل في الوعد بالجزء المذكور في الآية السابقة وإنما هو حكمة في الجزاء ووجهه، فراعى القرآن بيان ذلك بتغيير الأسلوب بالالتفات لئلا يوهم النسق أنه غاية داخلة في الجزاء والامتنان.
ولكن المتعرب لأنه يتعذر عليه الالتفات إلى الحق صار يعترض على ما جاء من الالتفات في القرآن الكريم (انظر ذ ص 80) مع أن الالتفات يعد من محاسن اللغة العربية، ولم يجئ في القرآن إلا لنكتة شريفة، وإن عشى عنها من عشى:
قال عمر بن كلثوم في معلقته:
بأي مشيئة عمرو بن هند * تطيع بنا الوشاة فتزدرينا تهددنا وأوعدنا رويدا * متى كنا لامك مقتوينا فالتفت من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب، وقال امرؤ القيس في معلقته:
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة * إذا ما أسكرت بين درع ومحول تسلت عماياة الرجال عن الصبا * وليس فؤادي عن هواك بمنسلي وقال عنتر في معلقته:
حلت بأرض الزائرين فأصبحت * عسر علي طلابك ابنة محرم ثم التفت إلى الغيبة في البيت الذي بعده، ثم إلى الخطاب فيما بعده ثم إلى الغيبة، ثم إلى الخطاب، ثم إلى الغيبة وقد تنقل بالالتفات في ستة أبيات