كما تعرف البراعة وعلو الشأن في قوله تعالى في سورة البقرة 16 (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضائت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) فإنه بعد أن فتح عين الفهم بضرب المثل ودله على مغزاه أوقفه على ربوة التنبه، وموعد الانتظار، وكفاه بعد المسافة، ومعثرة التطويل وملل التكرار، وناوله تتمة المثل ونتيجة التمثيل بيد واحدة من مكان قريب قد راعى في أسلوبه أولوية الكافرين بصفة المثل، وأن يروع الذهن بهول حقيقتها قبل أن يؤلف بفرض مثالها، ولو أجرى الكلام على السذاجة المبتذلة لتباعدت أطرافه وتشتت معانيه وانحل نظامها، واضمحلت خواص مقاصده، ولم ينجح في طوله الممل بطائل، واستوضح ذلك من تفكيكه وتطويله حسب ما يقترحه البسطاء، واتل لمن ينكر نورانية إعجازه بهذا الأسلوب الخاص (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضائت ما حوله..) الآية والتي بعدها.
ومما ذكرناه تعرف أنه لا حاجة إلى أن نجعل (الذي) بمعنى (الذين) فإن هذا التقدير زيادة على وهنه يذهب برونق السياق وفرائد الفوائد.
والمتعرب (ذ ص 77 - 79) يعد هذه الآيات من الكلام المبتور الذي يتحير فيه السامع زاعما في تمويهه أن هذه الأساليب مخلة بالبلاغة لعدم الدلالة فيها على المحذوف.
وقد ذكرنا لك ما يحتمله الاختصار من شعر العرب الذي يوقفك على أسرار البلاغة وتفنن البلغاء في كلامهم حسب مقتضى الحال، على أنك لو قسته بالآيات المذكورة لوجدته كالمصباح مع الشمس والصبابة مع النهر. أم يريد المتعرب أن يكون القرآن الكريم في التطويل المضجر والتكرار الفارغ، كالتوراة الرائجة في صنعة المسكن وثياب هارون، (فانظر خر 25 - 31) (وانظر أيضا خر 35 - 40).
أو يريد أن تكون أمثال القرآن الكريم كأمثال الإنجيل الرائج التي شوه التطويل صورتها، وشردت بها الفضول الفارغة عن مطابقة الممثل حتى كانت النتائج بعدها أجنبيه، مضافا إلى أنها قد اشتملت على فقرات أن كانت داخلة في غرض المثل لزم منها الكفر ونسبة الظلم إلى الله جل شأنه، والمعاملة مع