فجزم (استدرج) لينبه على أنه أولى بكونه جزاء للطلب.
وأما قوله تعالى في سورة آل عمران 52 (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون): فقال جل شأنه في مقام الاحتجاج بالتمثيل (فيكون) بالفعل المضارع الدال على الثبوت. وذلك لبيان الملازمة الدائمة بين قوله تعالى (كن) وبين أن الشئ يكون بهذا الأمر لا محالة. وبهذه القدرة التامة والملازمة الدائمة خلق عيسى من غير فحل إذ قال له (كن) ولا تقوم الحجة بهذا التمثيل ولا يحصل المراد منه في الاحتجاج إلا بيان الملازمة بخلاف ما لو قيل. كن فكان. لأن هذا الأسلوب لا يفيد إلا أن آدم كان.
سواء كان ذلك باتفاق أو بملازمة خاصة بذلك الكون أو عامة. وهو أمر معلوم لا فائدة في بيانه ولا حجة فيه على خلق عيسى من غير فحل. فلا يكون التفريع لو قيل: كن فكان. إلا لغوا في كلام متهافت، وبما ذكرناه تعرف غلط المتعرب (ذ ص 75) وأنه يعيب المسك برياه - كما غلط أيضا في اعتراضه (ذ ص 91) على قوله تعالى في سورة البقرة 51 فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم.
حيث قال ثم إن قوله (فتاب عليكم) ظاهره انه جواب لجملة سقطت فيما سقط ولو قال فيتوب مكان فتاب لكان الكلام أصح.
قلت: تعسا لغرور العصبية. أفلا يعلم الناظر في خطاب الله لبني إسرائيل في سورة البقرة 38 - 88 أنه إنما كان خطابا لبني إسرائيل المعاصرين لرسول الله (ص) لا المعاصرين لموسى. فاستوضح ذلك من الآية 38 - 44 ومن أنه لا يصح خطاب الأموات الذين صاروا رميما بمثل هذا الخطاب. بل قد خاطب الله الموجودين وامتن عليهم ووعظهم بأحوال آبائهم وشؤونهم. فأسندها إليهم كما هو المتعارف في خطاب القبائل والفرق، وبذلك تعرف أن التوبة ماضية بالنسبة للخطاب وعصر المخاطبين. (فإن قال قائل): كيف يخاطب الموجودون بأحوال الماضين؟ (قلنا) هذا نهج متعارف في خطاب القبائل والفرق. فإن أبى الاذعان بذلك من المحاورات فلينظر إلى العهدين. فإن التوراة الرائجة صريحة بأن بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر وحضروا طور سيناء لم يبق منهم إلى السنة الأربعين لخروجهم من مصر أحد حي بل ماتوا كلهم في القفر قبل أن يقتلوا