فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).
فقال المتعرب (ذ ص 77 و 78) فهذا أيضا كلام ناقص لأنه جاء فيه بفعل متعد وهو (يرد) ولم يأت بمفعوله، ثم قال: نذقه من عذاب أليم، وكان المقام يقتضي العذاب الأليم أو عذابا أليما.
قلت: لا يخفى على كل من يميز بعد الطفولية كيف يتكلم، سواء كان يتكلم باللغة العربية أم بغيرها من لغات الدنيا، ولا يلتبس عليه أن الفعل المتعدي تارة يقصد بالإتيان به بيان وقوعه على المفعول فقط، ولأجل ذلك يعرض المتكلم عن بيان الفاعل ويبني الفعل في اللغة العربية للمفعول، وتارة يقصد به محض وقوعه من الفاعل فلا يذكر المفعول ولا يقدر في الصناعة ولذا قالوا: إن المفعول فضله، أي يصح الاستغناء عنه في الكلام ومرمى الإسناد فالآية الكريمة لم يتعلق فيها الغرض بالمفعول، بل إنما تعلق الغرض فيها بمحض صدور الفعل القبيح من الفاعل المتمرد على الجهة الخاصة والباعث الخاص، فإن قبح الإرادة بالإلحاد والظلم في المسجد الحرام لا ارتباط له بتعلق الإرادة بالإلحاد والظلم بمفعول خاص، بل هو مسجد حرام سواء العاكف فيه والبادي، فهو كقول الملك من يضرب بشقاوة بظلم نعذبه، فليس في الآية الكريمة شئ من الحذف.
ومما ذكرناه تعرف غلط المتعرب في اعتراضه (ذ ص 90) على قوله تعالى في سورة البقرة 28 (ونقدس لك) وذلك لأن المقام غني عن بيان أن المقدس هو الله، وإنما المهم في التقديس بيان كونه لله خالصا مخلصا في قصد القربة الذي هو روح العبادة..
وأما قوله تعالى: (نذقه من عذاب أليم) فلأن الظالم بإلحاد وإنكار للمعاد والعقاب يكفي في وعيده بيان خيبته في اغتراره واطمئنانه وتهديده بأنه لا مناص له عن سوء المنقلب الذي أنكره بإلحاده.
والنكتة التي اقتضت التعبير بقوله تعالى (نذقه) لا بد معها من تعبير بقوله تعالى (من عذاب) فإن الذوق إنما هو لبعض الشئ، هذا مضافا إلى أنه لم يقل