ومن الظرائف أن المتكلف صار يتشبث لتمحلاته باستعمالات لفظ الجيل في اللغة العربية بمعنى الصنف من الناس، ولم يشعر أن لفظ الجيل ليس من اللغة الأصلية للأناجيل وإنما هو من لغات التراجم، واشتراكه في اللغة العربية لا يواتيه على تأويله لإصلاح ظهور الكذب على أناجيله.
ولو تحرى رشدا ووجد مناصا أو كانت له سعة من الاطلاع لذكر اللفظ الأصلي من أناجيله باللغة اليونانية القديمة، ثم بين إنه هل يحتمل التأويل بمعنى الصنف من الناس كلفظ الجيل لكي يأول بالأمة اليهودية أم لا يحتمل ذلك.
وفي العهد الجديد أيضا فإن ابن الإنسان - أي المسيح - سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم إن من القيام هاهنا قوما لا يذوقون الموت حتى يرو ابن الإنسان آتيا في ملوكته.
والمتكلف لم يجد هاهنا لفظ الجيل لكي يذكر معانيه في اللغة العربية، وأن جميع القائمين هناك قد ذاقوا الموت منذ قرون عديدة فالتجأ إلى تأويل مجيئ المسيح ومجازاته للناس حسب أعمالهم، ورؤية بعض القائمين هناك له آتيا في ملكوته، فانظر (يه 2 ج ص 219 - 223).
أترى المتكلف لا يشعر أن هذه التأويلات السخيفة لمثل هذا الكلام المنسوب إلى مثل المسيح عليه السلام في مقام البيان والتعليم والإعلام بما يأتي ليفتح للكذابين بابا واسعا تتركهم يتكلمون بما يجري على لسانهم ثم يطبقونه بمثل هذا التأويل على أي حادثة تقع، فيقول أتباعهم قد تمت نبواتهم والحمد لله فتأيدوا بالآيات الباهرة..
فلا يبقى محل للعلامة التي أعطتها التوراة للدلالة على كذب الكاذب بدعوى النبوة وهي عدم الوقوع لما أخبر به، انظر (تث 18، 21 و 22) ولا يبقى لها وظيفة إلا أن تقف موقف الحيرة والتعطيل، ولعلها إن قالت كلمة قيل لها إن أضاليلك كأضاليل إظهار الحق.
وليت اضطراب الأناجيل الرائجة وخللها قد أعطى قدس المسيح كفافا لا له ولا عليه.