وذكرت عن قول الله لموسى في طور سيناء في خطاب بني إسرائيل، ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق ويجئ بك إلى المكان الذي أعددته، فإن ملاكي يسير أمامك (خر 23، 20 و 23).
وذكرت عن قول موسى في ذكر مراحم الله: أرسل ملاكا وأخرجنا من مصر (عد 20، 16) وجاهرت بالصراحة في ذلك أذكرت عن قول الله لموسى في طور سيناء في خطاب الشعب أرسل (أو أرسلت) أمامك ملاكا، فإني لا أصعد في قربك لأنك شعب صلب الرقبة، وقال يهوه لموسى: قل لبني إسرائيل أنتم شعب صلب الرقبة لحظة واحدة إن صعدت في قربك أفنيتك (خر 33، 3 و 5).
وهذا صريح في أن الله جل اسمه لم يسر أمام بني إسرائيل ولم يصعد بقربهم بأي نحو أولت صعود الله معهم وسيره أمامهم، بل إن السائر أمامهم والذي أخرجهم من مصر هو الملاك الذي أرسله الله ويؤكد ذلك قول العهد الجديد في شأن موسى، هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء (ا ع 7، 38).
وهذا كله مناقض لقول التوراة إن السائر أمام بني إسرائيل في عمود السحاب هو الله بأي نحو أولته.
وقد كثر في التوراة والعهد القديم قولها: (فنزل الله) (فصعد الله) (فتراءى الله) وهو في مقام يمتنع من أسلوبها التأويل، فهو لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة: أما القول بالتجسيم وأن الله (تعالى شأنه) يحويه المكان فيصح عليه الصعود والنزول وتقع عليه الرؤية تعالى الله عن ذلك، وأما الخبط في تسمية الملك بالأسماء الخاصة بذات الجلالة، وأما الضلال بالبناء على أن الملك هو الله جل شأنه.
وإذا نظرت إلى التوراة الرائجة وجدتها كأنها كتابة أناس متعددين مختلفين في المعرفة وصحة الاعتقاد لا يدري كل واحد بما كتبه الآخر، أو لأنه كتاب جدد اسمه في بقايا ديانة توحيدية سرت فيها روح الوثنية فتقاسمت مخائله مشابهة هذين الأبوين.