قلت: لم يكن داود بهذه الكرامة حدادا، بل كان ملكا نبيا حباه الله بهذه الكرامة، وإن بعض السلاطين العظام في هذا القرن من جملة كمالاته أنه ممتاز في عمل النجارة، وربما يشرف امرأته من عناياته بصناديق صغار بديعة الصنعة للمحابر ونحوها حيث تشرفت بعنايته، فلا يقال لهذا الشخص الكبير إنه نجار، فكذا لا يقول أحد إن داود كان حدادا... وأما (إن الله ألان له الحديد)، فلا يسمع به سماعا شافيا من أوقر التعصب على القرآن أذنيه.
فمن أين يسمع المتكلف ويذعن بذلك، والحال أن القرآن كلام الله عدوه في تثليثه وطريقة تبشيره، وأن منقولات اليهود طالما يقول إنها خرافة، وأما منقولات العرب فهو يتصامم عنها، فلم يبقى إلا العهد القديم، وتاريخ الوثنيين القدماء من الغربيين.
أما العهد القديم فقد ذكرنا لك قريبا أن سفري صموئيل الأول والثاني لا يمكن أن يكونا من كتابة صموئيل النبي، لأن أكثر ما ذكر في تاريخ شاول وداود في السفر الأول وجميع تاريخ داود في السفر الثاني إنما كان بعد موت صموئيل النبي، فهما إذا كتابان نكرتان من أصلهما فضلا عن تلاعب الأيام بهما وتعدد مواليدهما، فمن هو كاتبهما حتى يقال كتب أو لم يكتب، ومع ذلك فهو مشغول بحكاية آمنون مع أخته ثار، وداود مع أوريا وامرأته وابشالوم مع سراري أبيه، فالأنسب بحال هذين أن لا يذكرا مثل هذه الكرامة لداود.. وأما الغربيون فزيادة على وحشيتهم العامة في ذلك الزمان لم تكن لهم علاقة مع الشرق ولا تردد يذكر.
وإنما حدث التردد والارتباط بعد ذلك لليونان والرومانيين بعد قرون متطاولة تزيد على الستمائة سنة.
وزيادة على ذلك إن هذه الكرامة مما تنفر منه أصول الوثنية، فلا يمكن أن تدخل في تاريخ الوثنيين، ولا تناسبه، بل لو وقفوا عليها لتصامموا عنها..
فهل تجد ذكرا في تاريخ الوثنيين من المصريين والغربيين لمعجزات موسى الظاهرة بين ألوف من الناس.