حبلت بجميع هذا الشعب أو لعلي ولدته (عد 11، 11 و 12) ونادى (أي إيليا) إلى الرب وقال: أيها الرب إلهي أيضا إلى الأرملة التي أنا نازل معها أسأت بإماتتك ابنها (1 مل 17، 20)، ودع عنك ما ينسبه سفر أيوب إلى أيوب وحاشاه من عظائم الكفر في الاعتراض على الله ككونه جل شأنه نزع حق ولفق فوق إثمه حتى طلب المحاكمة معه، فراجع الأقوال المنسوبة إلى أيوب وحاشاه.
وقال المتكلف: إن الملائكة في كلامهم هذا قد اقترفوا الغيبة في حق من يجعله الله خليفة بأن ذكروا مثالبه.
قلت: المراد من قول الله جل شأنه: (إني جاعل في الأرض خليفة) هو إخبار الملائكة بخلق جنس البشر، إما لأنهم يخلفون من كان قبلهم في الأرض من خلق الله، أو لأن أصلهم وداعيهم إلى الله وهو آدم خليفة عليهم ومؤدب لهم على الطاعة، فاقتضى الحال أن الملائكة يسألون عن وجه الحكمة في خلق هذا النوع مع أنه يكون فيه من يفسد ويسفك الدماء. فلم يقصدوا بذلك جميع النوع البشري ولا خصوص أصلهم وداعيهم إلى الله، فليس في قولهم هذا شيئا من الغيبة المحرمة بالعقل أو الشرائع، فإنهم لم يعنوا بما قالوه شخصا معينا أو أشخاصا معينين، بل قالوا ذلك لما علموه من الله بأن الجنس البشري تقتضي طبيعته أن يكون فيه من يفسد ويسفك الدماء، فهم لم يقصدوا بما قالوه إلا العنوان الكلي مبهم المجمل بمقتضى الإبهام في تأثير اقتضاء الطبيعة البشرية الذي يجوز على كل واحد من البشر مع فرض عدم المانع ويمتنع عن كل واحد مع وجود المانع، وهذا ليس من الغيبة في شئ فإنه إذا قال شخص إن في جنس البشر من يكون فاسقا لم يقل عاقل أو متشرع بأن هذا الشخص قد اغتاب، بل لا يتأثر من كلامه أحد من البشر حتى الفساق في نفس الأمر وذلك لأنه لم يوجه باللفظ قصده حتى بمعونة القرائن إلى ذات معينة، أو جماعة معينين أو محصورين.
فكذا قول الملائكة فإنهم قصدوا أمرا طبيعيا، هذا مضافا إلى أن الملائكة لو قصدوا أناسا معينين من المتهتكين بالفسق والفجور الهاتكين بفسادهم