سورة البقرة 192: (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) أي كاملة في العدد وإن كانت مفصولة بمدة الرجوع إلى الوطن.
(فإن قلت): فلماذا لم يجر البيان على نسق التكوين والتقدير، (قلت) ليجري البيان والامتنان في النظام الأرضي في تكوينها وتقدير أقواتها مطردا في نسق واحد، وينتظم فيه التقدير بأربعة أيام، فإنه لا يخفى أن أذهان عامة البشر أقرب إلى الالتفات إلى تأثير النعم الأرضية في قوام حياتهم وقرار تعيشهم، وأما النعم السماوية فلا يلتفت إلى حقيقة مداخلتها في ذلك بما لها من التسبيب إلا الخواص.
(فإن قلت): قد قدمت أن خلق الجبال كان في جملة خلق الأرض في اليومين قبل خلق السماوات.
إذن فماذا تقول في قوله تعالى في السادسة من الآيات الأخيرة (والجبال أرساها)، أفليس ذلك يدل على أن خلق الجبال كان بعد خلق السماء، (قلت) إن إرساء الجبال ليس بمعنى خلقها بل بمعنى تثبيتها وإعطائها قوة الثبات في محالها حينما تحتاج إلى ذلك بواسطة الصوادم أو حركة الأرض عند دحو الأرض وتقدير أقواتها إذ كان من ذلك أن أودع بقدرته في جوفها المواد البخارية والنارية السيارة لتوليد معادنها ونباتها وتصعيد مياهها، فمنح الله الجبال قوة إرسائها فلا يزعزعها ويلاشيها ما قدر الله خروجه منها من المواد البخارية والنارية السيارة في جوف الأرض لكي تدوم بذلك حكمة خلقها كما أشرنا إليه في هذا الجزء صحيفة 40 - 41 وجعلها راسية عندما دحا الأرض بالحركة الوضعية أو الأينية فدبت فيها الحرارة السيارة وتوجهت إلى الخروج من الجبال، أو لهذا ولأنها لا تنهال بواسطة الحركة وتتزعزع من مكانها وذلك إما بقوة كافية في ذلك كله، أو بأن جعل في طبيعتها الميل إلى مركز الأرض كما تقوله الفلسفة القديمة أو بحبسها بإحاطة الهواء الثقيل المطلق كما يقال في الفلسفة الجديدة (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا)، ولعل ما إلى نحو هذه الحركة يشير قوله تعالى في سورة النمل 90 (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون).