قالوا: الصلاة وراء علي كرم الله وجهه أتقى وأزكى، ولكن طعام معاوية أشهى.
ولقد أقام النعمان عند علي، ولكنه سئم المقام إذ لم يطق تقشف الإمام، ولا خشونة العيش مع أتباعه المساكين، ففر إلى معاوية.
وسمع عبد الرحمن بن عثمان وهو معتزل في حمص، أن معاوية أرسل إلى علي رجلين آخرين، فقال لرسولي معاوية لما لقيهما: العجب منكما! أتأتيان عليا وتطلبان منه قتلة؟ وأعجب من ذلك قولكما لعلي إجعلها شورى واخلعها من عنقك، وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي خير ممن كرهه، وأن من بايعه خير ممن لم يبايعه، ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء، لا تحل له الخلافة.
فلما علم معاوية بما قاله عبد الرحمن بن عثمان، أوشك أن يرسل إليه من يقتله، ولكنه خاف غضب قومه.
وسمع فتى من همدان عمرو بن العاص يحرض على الإمام، فقال: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم له مناقب مثل علي، ولكنه أفسدها بأمره في عثمان. قال الفتى منكرا: هل أمر بالقتل أو قتل؟ قال عمرو: لا ولكنه نوى ومنع. قال الفتى:
فهل بايعه الناس؟ قال عمرو: نعم. قال: فما أخرجك عن بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان. قال الفتى: فأنت أيضا قد اتهمت؟ قال: صدقت، إني خرجت إلى فلسطين.
فعاد الفتى إلى قومه همدان، يقول: إنا أتينا أقواما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم.
وزحف علي بجيشه، واشتجرت القنا، واشتبكت الرماح، وتقارعت السيوف والحراب، فما أحد يسع شيئا إلا وقع الحديد، وما ترى إلا أشعة الشمس تسطع على الأسنة، ودماء المسلمين تختلط بالنقع المثار.