الاعطاء آت الجزئية، وهذا بحسب الظاهر، وإلا فالسخاوة كما هو المشهور كيفية نفسانية هي مبدء ذلك الاعطاء، ومثال الثاني: الإخبارات عن وقايع حضرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حروبه، من أنه هزم الشجعان في خيبر، وقتل عمرو بن عبد ود في وقعة الخندق، وقد عجز عنه جميع الحاضرين، ولم يقدموا على مبارزته وهو عليه السلام إذن في سن اثني عشر (1) سنة فضربه ضربة بعد المجادلة والمشابكة العظيمتين، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (2) ولضربة علي بوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، ودخل على المسلمين سرور ذلك اليوم لم يدخلهم مثله قط إلى غير ذلك مما لا يحصى، فإنها تفيد العلم بالقدر المشترك الذي هو الشجاعة وهو أمر لازم، وهو ظاهر.
والحاصل أن المخبرين إذا بلغوا حدى التواتر، ولكن اختلف أخبارهم بالوقايع التي أخبروا بها مع اشتراكها في معنى هو قدر مشترك بينهما، فالكل مخبرون عن ذلك المشترك ضرورة أخبارهم عن جزئيات المشتملة عليه بالتضمن كما في الأول، أو المستلزمة له كما في الثاني، ومعنى تواتر القدر المشترك من العلم القطعي به يحصل من سماعها بطريق العادة، فاحفظ هذا، ونظير ما نحن، فيه ما قال ابن حجر المتأخر في صواعقه: من أن الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري في مرض الموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: مروا أبا بكر فليصل بالناس الخ حديث متواتر، فإنه ورد من حديث عايشة وابن عباس وابن مسعود، وابن عمرو عبد الله بن ربيعة، وأبي سعيد الخ فتدبر، وأما ما ذكره من انحطاط درجة المصنف (قدس سره) في ساير العلوم فهو بجهله معذور في ذلك، وقد قيل: إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه. ولا يخفى على من تأمل في تواريخ الدولة القاهرة