نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
ومن أبى فمفحم بمثله * في ربه لعلمه بفعله
____________________
وعليه «فعلم الباري» تعالى لم يكن علة محدثة لها كي يلزم الجبر في أفعال العباد، وإلا لزم قدم الكائنات باعتبار لزوم الاقتران بين العلة والمعلول، وقد تقدم بيان ذلك في مبحث الإرادة، فراجع.
وقد انقدح بذلك: أن علمه القديم «غير مناف» لما هو المشاهد وجدانا من ثبوت «وصف الاختيار» في العباد.
«ومن أبى» ذلك جهلا أو عنادا «فمفحم بمثله في» أفعال «ربه» حيث إنه لا شبهة في أنه تعالى قد كان عالما أزلا بجميع ما يحدثه في مستقبل الدهر تدريجا، وأنه يوجد كلا من الكائنات في أوانه.
وحينئذ ولو كان علمه علة تامة لوجود المعلوم قهرا، لزم كونه سبحانه أيضا مقهورا في خلقه الحوادث التدريجية، وذلك «لعلمه» القديم «بفعله» وإيجاده لها.
وقد اعترف عالم القوم في شرحه على المواقف بكل ذلك معترضا به على إمامه بأن العلم تابع للمعلوم، ومتأخر عنه في الرتبة.
ولا يعقل كونه سببا لمعلومه.
ثم قال: فالعلم بأن زيدا سيقوم غدا مثلا إنما يتحقق إذا كان هو في نفسه بحيث يقوم فيه دون العكس، فلا مدخل للعلم في وجوب الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار، وإلا لزم أن لا يكون الرب تعالى فاعلا مختارا لكونه عالما بأفعاله وجودا وعدما (1) انتهى.
ثم إنه لوضوح الأمر وظهور فضيحة الرجل في تلك المقالة، نهض بعض أتباعه لترميم فاسده، وقسم العلم قسمين، فعليا وانفعاليا.

(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 236 237 238 239 242 ... » »»
الفهرست