كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ١٠٠
ما يطابقها ثم يحكم على إحداهما بمقابلة الأخرى لا من حيث إنهما حاضرتان في العقل بل من حيث إن إحداهما استندت إلى الخارج دون الأخرى، وقد يتصور الذهن صورة ما ويتصور سلبها لأنه مميز على ما تقدم (1)، ويحكم على
(1) تقدم في المسألة التاسعة عشرة حيث قال: وقد يتمايز الإعدام.. الخ، ثم التحقيق في المقام أن يقال بالوجود - أي بالوجود الصمدي الذي هو متن الأعيان وحقيقة الحقائق وجوهر الجواهر - يتحقق الضدان ويتقوم المثلان، بل هو الذي يظهر بصورة الضدين وغيرهما ويلزم منه الجمع بين النقيضين لأن كلا من الضدين يستلزم سلب الآخر، فالضدان يؤولان إلى النقيضين من هذا السلب، مثلا إن الألم والراحة ضدان ليسا بنقيضين، ولما كان كل منهما يستلزم عدم الآخر يطلق اسم النقيضين عليهما أيضا، كأنه يقال الراحة وعدمها والألم وعدمه، واختلاف الجهتين إنما هو باعتبار العقل للمفهومين أو الماهيتين، وأما في الوجود فتتحد الجهات كلها فإن الظهور والبطون وجميع الصفات الوجودية المتقابلة مستهلكة في عين الوجود فلا مغايرة إلا في اعتبار العقل، والصفات السلبية مع كونها عائدة إلى العدم مفهوما وذلك العدم هو سلب الإمكان والنقص، أيضا راجعة إلى الوجود من وجه وذلك الوجه هو إما تأكد الوجود وتوحده الصمدي، وإما انبساط الوجود إلى العدم لأن الأعدام المتمايزة بعضها عن البعض تمايزها أيضا باعتبار وجوداتها في ذهن المعتبر لها أو باعتبار وجود ملكاتها لا أن لها ذوات متمايزة بذاوتها، فكل من الجهات المتغايرة من حيث وجودها العقلي عين باقيها، لأن الصفات الكمالية من الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها تدور مع الوجود حيثما دار ولا تنفك عنه تحققا بل هو عينها، فكل واحدة منها عين باقيها بوجودها الأحدي، فافهم.
ثم نقول: ولكون الضدين مجتمعين في عين الوجود يجتمعان أيضا في العقل، إذ لولا وجودهما فيه لما اجتمعا فيه، وعدم اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو نوع من أنواع الوجود المطلق لا ينافي اجتماعهما في الوجود من حيث هو هو، فتدبر.
فالوجود الحق المطلق - أي المطلق عن الإطلاق والتقييد على ما ذهب إليه المحققون من أهل التوحيد - حقيقة واحدة ذات شؤون وشجون ولكل شأن حكم لا يتجافى عنه من حيث إن ذلك الحكم حكم ذلك الشأن وإن كان كل رقيقة محاكية عن حقيقتها وكل حقيقة هي واجدة كمال رقائقها مع ما هي عليها من الزيادة، فالوجود المطلق الحق منصبغ بتلك الأحكام في عز وحدته وغناه الذاتي، والانصباغ في الحقيقة هو الاتصاف الوجودي الأحدي، ولذا قال بعض مشايخ التوحيد: بأن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليها بها.
واعلم أن نهاية كمال كل صفة هي أن لا يتطرق إليها زوال وفتور بعروض مقابلها، بل انتظم معه والتأم بحيث يزيد قوة وسلطانا وسعة، وقد جاء في الآيات القرآنية والمأثورات الروائية اتصافه سبحانه بالأسماء والصفات المتقابلة كالأول والآخر، والظاهر والباطن، واللطيف والقهار، والنافع والضار، والقابض والباسط، والخافض والرافع، والهادي والمضل، والمعز والمذل ونظائرها.