وأيضا إما أن يعيد الله تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أول العمر إلى آخره أو القدر الحاصل له عند موته، والقسمان باطلان. أما الأول فلأن البدن دائما في التحلل والاستخلاف، فلو أعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ولأنه قد يتحلل منه أجزاء تصير أجساما غذائية ثم يأكلها ذلك الانسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أولا، فإذا أعيدت أجزاء كل عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزءا من العضوين وهو محال، وأما الثاني فلأنه قد يطيع العبد حال تركبه من أجزاء بعينها ثم تتحلل تلك الأجزاء ويعصي في أجزاء أخرى فإذا أعيد في تلك الأجزاء بعينها وأثابها على الطاعة لزم إيصال الحق إلى غير مستحقه. وتقرير الجواب واحد وهو أن لكل مكلف أجزاءا أصلية لا يمكن أن تصير جزءا من غيرها بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى بها (1) فإذا أعيدت جعلت أجزاء أصلية لما كانت أصلية له أولا، وتلك الأجزاء هي التي تعاد وهي باقية من أول العمر إلى آخره.
قال: وعدم انخراق الأفلاك وحصول الجنة فوقها ودوام الحياة مع الاحتراق وتولد البدن من غير التوالد وتناهي القوى الجسمانية استبعادات.
أقول: احتج الأوائل على امتناع المعاد الجسماني بوجوه: أحدها: أن السمع قد دل على انتثار الكواكب وانخراق الأفلاك وذلك محال. الثاني: أن حصول الجنة فوق الأفلاك كما ذهب إليه المسلمون يقتضي عدم الكرية. الثالث: أن بقاء الحياة مع دوام الاحتراق في النار محال. الرابع: أن تولد الأشخاص وقت الإعادة من غير توالد الأبوين باطل. الخامس: أن القوى الجسمانية متناهية والقول بدوام نعيم أهل الجنة قول بعدم التناهي.
والجواب عن الكل واحد وهو أن هذه استبعادات، أما الأفلاك فلأنها حادثة