بعد تفريق أجزائه يصدق عليه أنه هالك بمعنى أنه غير منتفع به، أو يقال: إنه هالك بالنظر إلى ذاته، إذ هو ممكن وكل ممكن فإنه بالنظر إلى ذاته لا يجب له الوجود فلا يوجد، إذ لا وجود إلا للواجب بذاته أو بغيره فهو هالك بالنظر إلى ذاته، فإذا فرق أجزاءه كان هو العدم فإذا أراد الله تعالى إعادته جمع تلك الأجزاء وألفها كما كانت فذلك هو المعاد، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى في سؤال إبراهيم عليه السلام عن كيفية الإحياء للأجزاء في الآخرة، لأنه تعالى لا يحيي الموتى في دار التكليف وإنما الإحياء يقع في الآخرة، فسأل عليه السلام عن كيفية ذلك الإحياء وهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيئهم ويعدهم لنفخ الروح، فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريق أجزائها ومزج بعض الأجزاء ببعض ثم يفرقها ويضعها على الجبال ثم يدعوها، فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء كل طير عن الآخر وجمع أجزاء كل طير وفرقها عن أجزاء الآخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أولا ثم أحياها الله تعالى ولم يعدم تلك الأجزاء فكذا في المكلف، هذا ما فهمناه من قوله: كما في قصة إبراهيم عليه السلام، فهذا هو كيفية الإعدام.
قال: وإثبات (1) الفناء غير معقول لأنه إن قام بذاته لم يكن ضدا وكذا إن قام بالجوهر.
أقول: لما ذكر المذهب الحق في كيفية الإعدام شرع في إبطال مذهب المخالفين في ذلك. واعلم أن من جملة من خالف في كيفية الإعدام جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن الإعدام ليس هو التفريق بل الخروج عن الوجود بأن يخلق الله تعالى للجواهر (2) ضدا هو الفناء، وقد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: