قال ابن الأخشيد: إن الفناء ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز (1) إلا أنه يكون حاصلا في جهة معينة، فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها. الثاني:
قال ابن شبيب: إن الله يحدث في كل جوهر فناءا ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني فيجعله قائما بالمحل. الثالث: قال أبو علي وأبو هاشم ومن تابعهما: إن الفناء يحدث لا في محل فيفني الجواهر كلها حال حدوثه، ثم اختلفوا فذهب أبو هاشم وقاضي القضاة إلى أن الفناء الواحد كاف في عدم كل الجواهر، وذهب أبو علي وأصحابه إلى أن لكل جوهر فناءا مضادا له لا يكفي ذلك الفناء في عدم غيره. فإذا عرفت هذا فنقول: القول بالفناء على كل تقدير فرضوه باطل (2) لأن الفناء إن قام بذاته كان جوهرا، إذ معنى الجوهر ذلك فلا يكون ضدا للجوهر وإن كان غير قائم بذاته كان عرضا إذ هو معناه فيكون حالا في الجوهر إما ابتداء أو بواسطة، وعلى كلا التقديرين فيستحيل أن يكون منافيا للجواهر.
قال: ولانتفاء الأولوية (3).
أقول: يفهم من هذا الكلام أمران: أحدهما: إقامة دليل ثان على امتناع قيام الفناء بالجوهر، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء قائما بالجوهر لكان عرضا حالا فيه ولم يكن اقتضاؤه لنفي محله أولى من اقتضاء محله لنفيه بل كان انتفاء هذا الحال بالمحل أولى، إذ منع الضد دخول الضد الآخر في الوجود مع إمكان إعدامه له أولى من اعدام المتجدد للضد الباقي وبالخصوص إذا كان محلا له. الثاني: إقامة دليل ثان على انتفاء الفناء، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء ضدا للجواهر لم يكن إعدامه للجوهر الباقي أولى من اعدام الجوهر الباقي له بمعنى منعه عن الدخول