في ذلك بأن يترجم خطابه لمن لا يفهم لغته مترجم، وليس في الآية أنه تعالى ما أرسل رسولا إلا إلى من يفهم لسانه وإنما أخبر بأنه ما أرسله إلا بلسان قومه.
وجوز قاضي القضاة في يأجوج ومأجوج احتمالين: أحدهما: أن لا يكونوا مكلفين أصلا وإن كانوا مفسدين في الأرض كالبهائم المفسدة في الأرض.
والثاني: أن يكونوا مكلفين وقد بلغتهم دعوته عليه السلام بأن يقربوا من الأمكنة التي يسمعون فيها كلام من هو وراء السد. وجوز بعض الناس أن يكون في بعض البقاع من لم تبلغه دعوته عليه السلام فلا يكون مكلفا بشريعته.
وعندي أن المراد بذلك إن كان عدم تكليفهم مطلقا سواء بلغتهم بعد ذلك الدعوة أم لا فهو باطل قطعا لما بينا من عموم نبوته عليه السلام، وإن كان المراد أنهم غير مكلفين ما داموا غير عالمين فإذا بلغتهم الدعوة صاروا مكلفين بها فهو حق.
قال: وهو أفضل من الملائكة (1) وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام لوجود المضاد للقوة العقلية وقهره على الانقياد عليها.
أقول: اختلف الناس هنا، فذهب أكثر المسلمين إلى أن الأنبياء عليهم السلام أفضل من الملائكة عليهم السلام. وذهب آخرون منهم وجماعة الأوائل إلى أن الملائكة أفضل، واستدل الأولون بوجوه ذكر المصنف رحمه الله منها وجها للاكتفاء به وهو أن الأنبياء قد وجد فيهم القوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الجسمانية كالخيالية والوهمية وغيرهما وأكثر أحكام هذه القوى تضاد حكم القوة العقلية وتمانعها حتى أن أكثر الناس يلتجئ إلى قوة الشهوة والغضب والوهم ويترك مقتضى القوة العقلية، والأنبياء عليهم السلام يقهرون قوى طبائعهم ويفعلون بحسب مقتضى قواهم العقلية ويعرضون عن القوى الشهوانية وغيرها من القوى الجسمانية فتكون عباداتهم وأفعالهم أشق من عبادات الملائكة حيث خلوا عن هذه القوى، وإذا كانت عباداتهم أشق كانوا أفضل لقوله عليه السلام: أفضل الأعمال أحمزها. وهاهنا وجوه أخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام.