أقول: اختلف الناس هنا، فقال الجبائيان: إن سبب إعجاز القرآن فصاحته.
وقال الجويني: هو الفصاحة والأسلوب معا (1)، وعنى بالأسلوب الفن والضرب.
وقال النظام والمرتضى: هو الصرفة، بمعنى أن الله تعالى صرف العرب ومنعهم عن المعارضة. واحتج الأولون بأن المنقول عن العرب أنهم كانوا يستعظمون فصاحته، ولهذا أراد النابغة الاسلام لما سمع القرآن وعرف فصاحته فرده أبو جهل وقال له: يحرم عليك الأطيبين (2)، وأخبر الله تعالى عنهما بذلك بقوله: (انه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر) إلى آخر الآية، ولأن الصرفة لو كانت (3) سببا في إعجازه لوجب أن يكون في غاية الركاكة، لأن الصرفة عن الركيك أبلغ في الإعجاز، والتالي باطل بالضرورة. واحتج السيد المرتضى بأن العرب كانوا قادرين على الألفاظ المفردة وعلى التركيب، وإنما منعوا عن الإتيان بمثله تعجيزا لهم عما كانوا قادرين عليه، وكل هذه الأقسام محتملة.
قال: والنسخ تابع للمصالح.
أقول: هذا إشارة إلى الرد على اليهود حيث قالوا بدوام شرع موسى عليه السلام، قالوا: لأن النسخ باطل، إذ المنسوخ إن كان مصلحة قبح النهي عنه وإن كان مفسدة قبح الأمر به، وإذا بطل النسخ لزم القول بدوام شرع موسى عليه السلام. وتقرير الجواب أن نقول: الأحكام منوطة بالمصالح والمصالح تتغير بتغير الأوقات وتختلف باختلاف المكلفين فجاز أن يكون الحكم المعين مصلحة لقوم في زمان فيؤمر به،