أقول: لما فرغ من البحث عن الحركة في الكم شرع في الحركة في الكيف أعني الاستحالة، واستدل على ذلك بالحس فإنه يقضي بصيرورة الماء البارد حارا على التدريج وبالعكس وكذا في الألوان وغيرها من الكيفيات المحسوسة.
واعلم أن الآراء لم تتفق على هذا، فإن جماعة من القدماء أنكروا الاستحالة وافترقوا في الاعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين: أحدهما ذهب إلى أن في الماء أجزاء نارية كامنة فيه فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك الأجزاء وظهرت للحس، والثاني ذهب إلى أن الأجزاء النارية ترد عليه من خارج وتداخله فيحس منه بالحرارة.
والقولان باطلان فإن الحس يكذبهما، أما الأول فلأن الأجزاء الكامنة يجب الاحساس بها عند مداخلة اليد لجميع أجزاء الماء وتفرقها قبل ورود الحرارة عليه، ولما لم يكن كذلك دل على بطلان الكمون.
وأما الثاني فلأنا نشاهد جبلا من كبريت تقرب منه نار صغيرة فيحترق، مع أنا نعلم أنه لم يكن في تلك النار الصغيرة من الأجزاء النارية ما يلاقي الجبل ويغلب عليه حسا.
قال: وفي الأين والوضع ظاهر.
أقول: وقوع الحركة في هاتين المقولتين أعني الأين والوضع ظاهر، لكن الشيخ ادعى أنه الذي استخرج وقوع الحركة في الوضع، وقد وجد في كلام أبي نصر الفارابي وقوعها فيه. (واعلم) أن الحركة في الوضع وإن استلزمت حركة الأجزاء في الأين لكن ذلك باعتبار آخر مغاير لاعتبار حركة الجميع في الوضع.
قال: وتعرض لها وحدة باعتبار وحدة المقدار والمحل والقابل.
أقول: الحركة منها واحدة بالعدد ومنها كثيرة، أما الواحدة فهي الحركة