والجواب أن الضدين قد يجتمعان في جسم واحد إذا لم يكن الجسم موضوعا قريبا لهما، وحال المبدأ والمنتهى هنا كذلك لأن موضوعهما الأطراف في الحركات المستقيمة وتلك متغايرة، بقي أن يقال: هذا لا يتأتى في الحركات المستديرة، وقد نبه المصنف رحمه الله على ذلك بقوله: قد يتحدان محلا، فيكون وجه الخلاص عدم اجتماع الوصفين إذ حال وصفه بكونه منتهى ينتفي عنه كونه مبدأ، وفيه ما فيه.
قال: ولو اتحدت العلتان انتفى المعلول.
أقول: قد بينا أنه يريد بالعلتين هنا الفاعلية أعني المحرك والقابلية أعني المتحرك، وادعى تغايرهما على معنى أنه لا يجوز أن يكون الشئ محركا لنفسه بل إنما يتحرك بقوة موجودة أما فيه كالطبيعة أو خارجة عنه (1) لأنه لو تحرك لذاته لانتفت الحركة إذ بقاء العلة يستلزم بقاء المعلول، فإذا فرضنا الجسم لذاته علة للحركة كان علة لأجزائها فيكون كل جزء منها باقيا ببقاء الجسم، لكن بقاء الجزء الأول منها يقتضي أن لا يوجد الثاني لامتناع اجتماع أجزائها في الوجود فلا توجد الحركة وقد فرضناها موجودة هذا خلف، وإلى نفي الحركة أشار بقوله:
انتفى المعلول.
قال: وعم.
أقول: هذه حجة ثانية على أن الفاعل للحركة ليس هو القابل أعني نفس الجسمية، وتقريره أن نقول: الأجسام متساوية في الماهية، فلو اقتضت لذاتها الحركة لزم عمومها لكل جسم فكان كل جسم متحركا (هف) ثم إن الجسمية إن اقتضت الحركة إلى جهة معينة لزم حركة كل الأجسام إليها وهو باطل بالضرورة، وإن كان إلى جهة غير معينة انتفت الحركة، وأشار إلى هذا الدليل بقوله: (وعم) أي