كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ٢٠١
الضروري، وإن كان مع خلق وملكة نفسانية فهو العادة، وإن كان المبدأ الفكر فهو الخير المعلوم أو المظنون.
قال: وأثبتوا للطبيعيات غايات (1) وكذا للاتفاقيات.
(١) قال الشيخ في الفصل التاسع عشر من ثامن الإشارات: إذا نظرت في الأمور وتأملتها وجدت لكل شئ من الأشياء الجسمانية كمالا يخصه وعشقا إراديا أو طبيعيا لذلك الكمال وشوقا طبيعيا أو إراديا إليه إذا فارقه رحمة من العناية الأولى على النحو الذي هو به عناية.
وقال الخواجة في الشرح: وللشيخ رسالة لطيفة في العشق بين فيها سريانه في جميع الكائنات.
أقول: هذه الرسالة قد طبعت مع عدة رسائل أخرى للشيخ مترجمة بالفرنسية أيضا، وكتبها الشيخ باسم تلميذه أبي عبد الله المعصومي الذي قال ابن سينا في حقه: أبو عبد الله مني بمنزلة أرسطا طاليس من أفلاطون.
وكذا قال الخواجة في شرح الفصل السابع من رابع الإشارات في البحث عن العلة الغائية ما هذا لفظه: اعترض الفاضل الشارح بأنهم يثبتون للأفعال الطبيعية عللا غائية والقوى الطبيعية لا شعور لها فلا يمكن أن يقال تلك الغايات موجودة في أذهانها، ولا أن يقال إنها موجودة في الخارج لأن وجودها متوقف على وجود المعلولات، فإذن تلك الغايات غير موجودة، وغير الموجود لا يكون علة للموجود ولا خلاص عنه إلا بأن يقال: ليس للأفعال الطبيعية غايات.
والجواب أن الطبيعة ما لم تقتض لذاتها شيئا كأين ما مثلا لا تحرك الجسم إلى حصول ذلك الشئ فكون ذلك الشئ مقتضاها أمر ثابت دال على وجود ذلك الشئ لها بالقوة وشعور ما لها به قبل وجوده بالفعل فهو العلة الغائية لفعلها، إنتهى.
أقول: الحق أن الطبائع لها غايات وكل طبيعة تحب بقاءها وتعرج إلى كمالها والكل تسعى إلى غاية الغايات ومبدأ المبادئ الله رب العالمين، ونعم ما قال صاحب الحكمة المنظومة:
وكل شئ غاية مستتبع حتى فواعل هي الطبائع وفي الأسفار: أن الله تعالى قد جعل لواجب حكمته في طبع النفوس محبة الوجود والبقاء وجعل في جبلتها كراهة الفناء والعدم، وهذا حق لأن طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقاءه خيرية الخير ونورية النور (ج ٤ ط ١ ص ١٦٣) بل أفاد الشيخ المعظم في الأول من ثانية نفس الشفاء أن حب الدوام أمر فائض من الإله على كل شئ (ج ١ ط ١ ص ٢٩٤).
أقول: ومما ينادى بأعلى صوتها أن الطبيعيات أيضا لها غايات هي وحدة النظام الحاكية عن وحدة الصنع والتدبير الدالة على أن الحياة والشعور سارية في الكل، وينتهي الأمر إلى أن الوجود المطلق الحق القيوم هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وأن الخلق هو الموجود المقدر القائم به قيام الفعل بفاعله والكلام بمتكلمه، وأن ما نزل من الموجودات من الصقع الربوبي ما نزل بكليته بل ملكوته بيده سبحانه وتعالى. وعليك بالتدبر فيما نتلوه عليك من منطق الوحي وبيان السنة تراجمه:
(الذي خلق فسوى × والذي قدر فهدى) (الأعلى ٣ و ٤).
(قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) (طه ٥١).
(وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (الرعد ٥).
الباب السادس والثلاثون من توحيد الصدوق في الرد على الثنوية والزنادقة بإسناده عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عز وجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا.
وفي توحيد المفضل: يا مفضل إن اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهم قوسموس وتفسيره الزينة، وكذلك سمته الفلاسفة ومن ادعى الحكمة فكانوا يسمونه بهذا الاسم إلا لما رأوا فيه من التقدير والنظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سموه زينة، ليخبروا أنه مع ما هو عليه من الصواب والاتقان على غاية الحسن والبهاء (البحار ج 2 ط 1 ص 45).