كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ١٦٨
الفصل الثالث في العلة والمعلول قال: كل شئ يصدر عنه أمر (1) إما بالاستقلال أو الانضمام فإنه علة لذلك
(1) أورد عليه المحقق الشريف بأن هذا التعريف بظاهره لا يتناول غير الفاعلية، إذ لا صدور من غير الفاعلية فالأولى أن تعرف بالاحتياج فيقال: العلة ما يحتاج إليه أمر. قال صاحب الشوارق: إنما قال بظاهره لإمكان تأويل الصدور إلى الاحتياج كما يشعر به أيضا قوله:
فالأولى، ثم حمل الصدور على معنى عام حتى يجري في العلل كلها، ثم قال: لا بأس بالتعريف، لأن قوله: بالانضمام يشمل العلل الثلاث أيضا، ثم قال: أو يكون التعريف للفاعلية ويفهم غيرها منه بالمقايسة.
أقول: الأمر الأهم في المقام هو أن يعلم أن العلة والمعلول بمعناهما المتعارف في الأذهان لا يجري على الأول تعالى وآياته التي هي مظاهر أسمائه التي هي شؤون ذاته الصمدية التي لا جوف لها، وأن التمايز بين الحق سبحانه وبين الخلق ليس تمايزا تقابليا، بل التمايز هو تميز المحيط عن المحاط بالتعين الإحاطي والشمول الاطلاقي الذي هو الوحدة بمعناها الحقيقي، بل إطلاق الوحدة من باب التفخيم وهذا الإطلاق الحقيقي الإحاطي حائز للجميع ولا يشذ عن حيطته شئ فهو الكمال الحقيقي وهو سبحانه محيط بكل شئ لأنه الحي القيوم أي القائم لذاته والمقيم لغيره لا أنه محيط على كل شئ فقط. فيجب تلطيف السر في معنى الصدور والتميز بين الحق والخلق وكون العلة والمعلول على النحو المعهود المتعارف في الأذهان السافلة ليس على ما ينبغي بعز جلاله وعظموته سبحانه وتعالى.
وبالجملة، يجب الوصول إلى نيل التوحيد القرآني حتى يعلم أن البينونة بين العلة ومعلولها في المقام ليست عزلية بل وصفية بمعنى سلب السلوب والحدود والنواقص عنه تعالى حتى يعلم أن إطلاق العلة والمعلول في المقام على ضرب من التوسع في التعبير أرفع وأشمخ من المعنى المعهود.