كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ١٣٢
والمركب في العموم والخصوص باختلاف الاعتبار.
قال: وكما تتحقق الحاجة (1) في المركب فكذا في البسيط.
أقول: الحاجة تعرض للبسيط وللمركب معا، فإن كل واحد منهما ممكن وكل
(١) قال الشارح القوشجي: اختلفوا في أن الماهيات الممكنة هل هي مجعولة بجعل جاعل أم لا؟ على أقوال ثلاثة: الأول: ما اختاره المصنف وهو أنها كلها مجعولة بجعل الجاعل سواء كانت مركبة أو بسيطة. الثاني: أنها غير مجعولة مطلقا مركبة كانت أو بسيطة. الثالث: أن المركبة مجعولة بخلاف البسيطة، إنتهى.
أقول: المستفاد من كلامه في النمط الرابع من الإشارات ومن كلماته الأخرى ومما مضى منه في الكتاب، عدم اعتقاده في مجعولية الماهيات برأسها أصالة ومراده من تحقق الحاجة في المركب والبسيط باعتبار صيرورتها موجودة بتبعية الوجود بضرب من الاعتبار الذهني في تغايرهما. ومن ذهب إلى أنها غير مجعولة مطلقا ناظر إلى جعلها بالأصالة، فالقولان واحد.
والقول الثالث ناظر إلى أن البسائط كالأعراض مجعولة بجعل الماهيات الموجودة في الخارج فهي موجودة بالتبع أيضا، فإن جعل زيد في الخارج هو جعله متكمما بكم كذا ومتلونا بلون كذا وهكذا، لا أن الجعل مرة يتعلق بالماهيات وأخرى بأعراضها، فالأقوال ناظرة إلى أمر فارد ولا تنازع بينها.
واعلم أنه يصدق قولنا: الماهية ليست بموجودة، ولا يصدق قولنا: الوجود ليس بموجود، وذلك لأن الوجود ليس بمجعول بل هو الحق المتحقق في عظموت جلاله وجبروت كبريائه، والماهيات أوعية تحققها هي الأذهان لا غير وإنما تنتزع وتعتبر من حدود أطواره وشؤونه وآياته، وتلك الحدود تعتبر بما يلينا لا بما يليه لأنها بما يليه لا حد لها لقيامها بها، كأمواج البحر مثلا تعتبر حدودها بما يلينا لا بما يلي البحر لأنها لا حدود لها من تلك الجهة، فافهم.
والفيلسوف الإلهي يبحث عن أجزاء الجسم فيجده مؤلفا من الهيولى والصورة، فينتقل من ازدواجهما إلى أصل مفارق يقيم أحدهما بالآخر، فيثبت من هذا الطريق خالقا مدبرا قيوما قائما على الأجسام، أو يجده مؤلفا من أجزاء صغار صلبة لا تتجزأ فينتقل من تأليفها إلى جامع لها مدبر فيها تدبيرا إراديا، فيثبت بهذا الطريق موجودا واجبا بذاته خالقا مريدا متصفا بجميع الكمالات الغير المتناهية، أو يبحث عن الممكن بأنه زوج تركيب من الوجود والماهية فينتقل من ازدواجهما إلى جاعل الماهية موجودة وهو الله سبحانه. والعارف ينظر بنور برهان الصديقين على وجهه الأتم أنه سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن، فيحتاج في إثبات العالم إلى دليل، فالماهيات في منظره الأعلى كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه.