فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه.
وكان علي (عليه السلام) أرمد العين، فتطاول جميع المهاجرين والأنصار وقالوا: أما علي فإنه لا يبصر شيئا، لا سهلا ولا جبلا.
فلما كان من الغد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الخيمة والراية في يده، فركزها وقال:
أين علي؟ فقيل: يا رسول الله، هو رمد، معصوب العينين، قال: هاتوه إلي.
فأتي به، يقاد، ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينيه، ثم تفل فيهما، فكأنما لم ترمدا قط.
ثم قال: " اللهم أذهب عنه الحر والبرد " فكان علي يقول: ما وجدت بعد ذلك حرا، ولا بردا، في صيف، ولا شتاء. ثم دفع إليه الراية.
ثم قال له: سر في المسلمين إلى باب الحصن، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال:
إما أن يدخلوا في الإسلام، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وأموالهم لهم.
وإما أن يذعنوا بالجزية والصلح، ولهم الذمة وأموالهم لهم.
وإما الحرب، فإن هم اختاروا الحرب فحاربهم.
فأخذها وسار بها، والمسلمون خلفه، حتى وافى باب الحصن، فاستقبله حماة اليهود وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فانهزموا بين يديه، ودخلوا الحصن وردوا بابه.
وكان الباب حجرا منقورا في صخر، والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى، وفي وسطه ثقب لطيف، فرمى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوسه من يده اليسرى، وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى، لأن السيف كان في يده اليمنى، ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور، وصار الباب في يده اليسرى، فحملت عليه اليهود، فجعل ذلك ترسا له، وحمل عليهم فضرب مرحبا،