وقد آن لنا أن نعرض عليك قصة أبي هريرة مع آل أبي العاص عامة وسائر بنى أمية ومعاوية خاصة - كما وعدناك من قبل - ثم نردف ذلك ببيان بعض ما قدمه لهم جميعا من مرويات وغير مرويات.
كيف اتصل أبو هريرة بدولة بنى أمية لاتصال أبي هريرة بدولة بنى أمية قصة عجيبة نقصها عليك، ولا ريب في أنها ستروعك بفصولها.
ذلك أنه لما رأى أن بنى أمية قد وثبوا على الحكم، وقبضوا على زمامه بعد مقتل على رضي الله عنه، وأنهم قد أصبحوا ملوكا على بلاد المسلمين، بيدهم الأمر والنهي، والحل والعقد، والرفع والخفض، اندفع بسائق من طبيعته إلى انتهاز هذه الفرصة التي سنحت لبغاة المغانم، وطلاب الرغائب، ولم يلبث أن رنا إلى غرض وضعه نصب عينيه، وآل على نفسه ليبلغنه بأية وسيلة حتى يصل إليه - وهذا الغرض أن يتخذ له مكانا في هذه الدولة الجديدة يجعل له شأنا بين الناس بعد أن كان مغمورا في زمن النبي وخلفائه الأربعة، وبذلك يتمكن من أن يشارك في أسلابها ويساهم في مغانمها - وأنى له ذلك وهو يومئذ في الساقة من عامة الصحابة، ليس له - كما علمت من تاريخه -.. شأن يذكر، ولا عمل يؤثر، فلم يكن من دهاة السياسة، ولا من أبطال الحروب، وليس هو بشاعر ولا خطيب، ممن تحتاج إليهم الدولة إبان نشأتها، وبخاصة مثل دولة بنى أمية الباغية التي قامت على أساس غير سليم، وسارت في طريق غير مستقيم.
من أجل ذلك كان عليه هو - بما يعرف من نفسه - أن يطب لهذا الامر ويتخذ له السبيل التي تنتهي به إلى مبتغاه، فوجد أن هذه الدولة الناشئة وإن كانت قد أقامت بناءها على قواعد من الدهاء والمداورة والظلم والبغي - بحاجة شديدة إلى دعم هذا البناء حتى لا ينهار، فيخرج الناس عليهم، وينفضوا من حولها، ويخلعوا أيديهم من طاعتها، ولا يكون ذلك إلا بأسانيد قوية تحميها من العوادي، وإن أقوى هذه الأسانيد بعد القوة المادية ولا ريب، أن تكون من