الثاني: لو صح ما زعمه أبو هريرة من قول النبي لأصحابه: (لن يبسط أحد منكم ثوبه) الحديث. لتسابقوا إليه، واجتمعوا بقضهم وقضيضهم عليه، فإنه الفضل لا يبلغه الطالب بشد الرحال، والعلم لا يناله ببذل الأموال. وكيف زهدوا في هذه الغنيمة، وضيعوا تلك الفوائد العظيمة.. الخ.
الثالث: لو صح ما زعمه أبو هريرة لعظم ندم الصحابة وأسفهم على ما ضيعوه من ذلك الفضل الكبير والعلم الغزير، ولتواتر لهفهم على ما أهملوه من بسط أثوابهم لرسول الله على حين أنه لا كلفة فيه ولا مشقة عليهم. ولتلاوموا على تركهم ذلك بسوء اختيارهم. ولتواترت منهم الغبطة لأبي هريرة بالفوز به دونهم - على أنه لم يكن عليه إلا ثوب واحد، وما منهم من أحد إلا وعليه ثوبان، أو أكثر، فلما لم يكن شئ من ذلك، علمنا أن هذا من (كيس) أبي هريرة (1).
الرابع: لو كان الامر كما قصه أبو هريرة لحدث به غيره ممن دعاهم النبي إلى بسط أثوابهم ولعده الصحابة والتابعون من أعلام النبوة. ولتواترت به الاخبار واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار، فلما لم نجده إلا في حديث أبي هريرة عطفناه على واهياته.
الخامس: أنه قد تناقض كلام أبي هريرة في هذه القصة، فتارة يروى أن النبي قال يوما لأصحابه: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضى مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره الحديث وفى آخره - فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك شيئا إلى يومى هذا!
وتارة يقول: قلت يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث أنساه قال صلى الله عليه وآله:
ابسط رداءك فغرف بيديه ثم قال: ضمه فضممته فما نسيت شيئا بعده] وأنت ترى أن القصة على مقتضى الحديث الأول: أنها كانت بين رسول الله وأصحابه، والمبتدئ فيها إنما كان رسول الله. إذ دعاهم إلى بسط أثوابهم