قبل الشخصية العظمى التي تعنو لها الجباه، وتخضع لها الرقاب، تلك هي شخصية محمد صلى الله عليه وآله فيروي لها من أحاديثه ما يؤيدها، ويشد أزرها، وقد كان الحديث النبوي يومئذ - وإلى اليوم - أقوى سلاح وأشده في سبيل تأييد الدعوات والادعاءات! سواء للأفراد أو للجماعات في البلاد الاسلامية كافة.
ولما أحكم هذا الرأي، وتمثلت له هذه الحقيقة، أخذ على نفسه أن يعد هو هذا السلاح لدولة بنى أمية، ويكفهم مؤونته، فيمدهم بالأحاديث التي تؤيدهم، وتصرف وجوه الناس عن عدوهم - وعدوهم حينئذ كان عليا رضي الله عنه.
وقد وطأ لذلك بأن أظهر لهم - وللناس - أنه قد ظفر وحده من النبي بما يجعله يمتاز من سائر الصحابة برواية أحاديثه صلى الله عليه وآله فزعم في أول الامر أن النبي قد غرف له في ثوبه غرفتين، من نفحاته، صيرتاه - من دون الصحابة جميعا - الحفظة لكل ما يتحدث به النبي، فلا يند عنه شئ يصافح أذنيه ويؤديه كما سمعه - وبذلك يكون هو وحده المرجع الصحيح لكل ما جاء عن النبي من حديث - ثم أردف ذلك بزعم آخر فقال: إنه قد حفظ عن النبي (وعاءين)، وعاء بثه، والآخر استحفظه (!) النبي فيه من سره، مما حجبه عن غيره، ثم ختم قصته هذه العجيبة بحديث (المزود).
وقد أعانه على ذلك كله أن أحاديث الرسول - لم تكن كما قلنا مدونة محفوظة كالقرآن الكريم بحيث لا يستطيع أحد أن يزيد فيها، أو ينقص منها.
وبذلك كان باب (الوضع) مفتوحا على مصراعيه، يدخل فيه كل من أراد الوضع - ثم ساعده كذلك، أن كبار الصحابة الذين يخشاهم كانوا قد ماتوا في عهد معاوية وبخاصة عمر الذي منعه من الرواية وأنذره بالنفي إلى بلاده، إذا هو روى، وكان يضربه بدرته لرواية الحديث حتى صرح أبو هريرة نفسه بأنه ما كان يستطيع أن يروى الحديث وعمر حي.