ملحة:
قال معاوية لعمرو بن العاص: هل غششتني مذ نصحتني؟ قال: لا، قال: بلى، يوم أشرت على بمبارزة على، وأنت تعلم من هو! فقال عمرو:
دعاك رجل عظيم الخطر إلى المبارزة، فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين!
أما إن قتلته، فقد قتلت قتال الاقران، وازددت شرفا إلى شرفك، وخلوت بملكك، وأما إن قتلت فتتعجل مرافقة الشهداء والصديقين والصالحين: قال معاوية: لهذه أشد على من الأولى، فقال عمرو، أفكنت من جهادك في شك فتكون منه الساعة! قال: دعني عنك الآن (1).
وكان على رضي الله عنه قد طلب من معاوية أن يبارزه فخنس وجبن وقد عيروه بذلك، ولكن ماذا يصنع وهو أعلم بنفسه من غيره.
ولا نمضي في هذا الباب لان الأمثلة كثيرة جدا تملأ كتبا، إن من الرجال وإن من النساء الفضليات، مثل سودة بنت عمارة الهمدانية، وبكارة الهلالية، والزرقاء بنت عدى، وأم سنان بنت خيثمة، وعكرشة بنت الأطرش، وما لا يحصى عددهن.
وبعد ذلك نأخذ في بيان القسم الثالث الذي صانع معاوية وأعانه. ومن كبار هذا القسم - كما ذكرنا - المغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وقد كانا من كبار دهاة العرب وشجعانها، وقد نال كل منهما مأربه من معاوية.
فأما المغيرة بن شعبة فقد ولاه معاوية على الكوفة وكان من وصيته له:
قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك، ولست تاركا إيصاءك بخصلة! لا تترك شتم على وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب على والاقصاء لهم.. إلخ (2). وظل المغيرة سبع سنين وأشهرا في الكوفة لا يدع شتم على والوقوع فيه والنيل منه.