فهل يمكن أن ينسى من سننه ما حفظه أبو هريرة! أو يكتم منها ما بينه أبو هريرة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!
على أنه لم يكن من المهاجرين من يصفق في الأسوق إلا القليل، وحسبك أبو ذر والمقداد وعمار - ورفقاء أبي هريرة في الصفة وهم سبعون - كانوا كما وصفهم أبو هريرة - ما منهم رجل عليه رداء. وإنما عليه إما إزار أو كساء قد ربطوه في أعناقهم، إلى آخر كلامه في وصفهم (1) فما بالهم لم يحدثوا بمثل أحاديثه؟ ولم يكثروا كما أكثر.
وكذا الأنصار لم يكونوا بأجمعهم من أهل الأموال والأشغال كما زعم، وحسبك ممن لا مال لهم منهم سلمان الفارسي الذي قال رسول الله فيه: سلمان منا أهل البيت.
وقال: كما في ترجمة سلمان من الاستيعاب: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان (2).
وقالت عائشة: كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله، وقال على: إن سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم، علم علم الأول والآخر، بحر علم لا ينزف (3).
وقد علم الناس أن أبا أيوب الأنصاري لم يكن له من العيش إلا بلغة لا تشغله عن علم ولا عمل، وكذلك أبو سعيد الخدري، وأبو فضالة الأنصاري، وغيرهم من نظرائهم من علماء الأنصار وعظمائهم رضي الله عنهم.
على أن سيد الحكماء وخاتم الأنبياء لم تكن أوقاته فوضى، وإنما كانت في الليل والنهار مرتبة للمهمات، على ما تقتضيه الحكمة في تلك الأوقات، وقد خصص منها لالقاء العلم وقتا لا يعارض أوقات الصفق في الأسواق، ولا أوقات العمل في الأموال، وكان المهاجرون والأنصار لا يغيبون في ذلك الوقت أبدا وهم أحرص على العلم مما يخرفه المخرفون.