لتحسين الكلام به فإنه مستعمل كما بينا، ولهذا لو قال: لفلان علي مائة دينار ولفلان ألف درهم إلا عشرة يجعل الاستثناء من آخر المالين ذكرا لان بالاستثناء لا يخرج الكلام من أن يكون إقرارا وباعتبار الاقرار كل واحد من الجملتين تامة فيكون الواو للنظم وينصرف الاستثناء إلى ما يليه خاصة. وعلى هذا قلنا في قوله تعالى:
* (وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) * إن هذا الواو للنظم حتى ينصرف الاستثناء إلى سمة الفسق دون ما تقدمه. والشافعي يجعل هذا الواو للعطف والواو الذي في قوله:
* (ولا تقبلوا لهم) * للنظم حتى يكون الاستثناء منصرفا إليهما دون الجلد فلا يسقط الجلد بالتوبة. والصحيح ما قلنا: فإن من حيث الصيغة معنى العطف يتحقق في قوله تعالى: * (ولا تقبلوا) * ولا يتحقق في قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون) * لان قول القائل اجلس ولا تتكلم يكون عطفا صحيحا فكذلك قوله تعالى: * (فاجلدوا) *.
* (ولا تقبلوا) * لان كل واحد منهما خطاب للأئمة، فأما قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون) * ليس بخطاب للأئمة ولكن إخبار عن وصف القاذفين فلا يصلح معطوفا على ما هو خطاب فجعلناه للنظم، وكذلك من حيث المعنى قوله تعالى: * (ولا تقبلوا) * صالح لان يكون متمما للحد معطوفا على الجلد، فإن إهدار قوله في الشهادات شرعا مؤلم كالجلد وهذا الألم عند العقلاء يزداد على ألم الجلد فيصلح متمما للحد زاجرا عن سببه ولهذا خوطب به الأئمة فإن إقامة الحد إليهم، فأما قوله تعالى: * (وأولئك هم الفاسقون) * فمعناه العاصون وذلك بيان لجريمة القاذف فلا يصلح جزاء على القذف حتى يكون متمما للحد، بل المقصود به إزالة إشكال كان يقع عسى وهو أن القذف خبر متميل، وربما يكون حسبة إذا كان الرامي صادقا وله أربعة من الشهود والزاني مصر فكان يقع الاشكال أنه لما كان سببا لوجوب عقوبة تندرئ بالشبهات فأزال الله هذا الاشكال بقوله: * (وأولئك هم الفاسقون) * أي العاصون بهتك ستر العفة من غير فائدة حين عجزوا عن إقامة أربعة من الشهداء، وإليه أشار في قوله تعالى: * (فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) * ويتبين بهذا التحقيق أن العمل بالنص كما يوجبه فيما قلنا فإنا جعلنا العجز عن إقامة أربعة من الشهداء