فإن قيل قوله تعالى: * (وحرم الربا) * يوجب نفي أصله مشروعا كقوله تعالى:
* (حرمت عليكم أمهاتكم) * بل أولى لأنه أضاف هذا التحريم إلى نفسه، وهناك الحرمة مضافة إلى الام. قلنا الربا عبارة عن الفضل، فمعنى قوله تعالى: * (وحرم الربا) * أي حرم اكتساب الفضل الخالي عن العوض بسبب التجارة ونحن نثبت هذه الحرمة ولكن بينا أنه ليس من ضرورة الحرمة في ملك اليمين انتفاء أصل الملك، وعلى هذا قلنا بيع العبد بالخمر فإن الخمر فاسد التقوم شرعا ولم تنعدم به أصل المالية الثابتة فيه بالتمول فإن تموله ما فسد شرعا لما فيه من عرضية التخلل إذ التمول للشئ عبارة عن صيانته وادخاره لوقت الحاجة وإمساك الخمر إلى أن يتخلل لا يكون حراما شرعا، بمنزلة من أحرم وله صيد فإن الصيد لا يكون متقوما في حق تصرفه حتى لا يتمكن من التصرف فيه ويكون محرم العين في حقه ولكن لا ينعدم أصل المالية فيه باعتبار ماله وهو ما بعد التحلل من الاحرام، ولهذا اختلف العلماء في جواز هذا البيع، فمنهم من يقول هو جائز بالقيمة ولو قضى القاضي بهذا نفذ قضاؤه، فإذا تبين أنه لم ينعدم ما هو ركن العقد قلنا ينعقد العقد موجبا حكمه في محل يقبله وهو العبد ولا ينعقد موجبا للحكم في محل لا يقبله وهو الخمر حتى لا يملك الخمر وإن قبضه بحكم العقد، بخلاف البيع بالميتة والدم فإنه لا مالية في الميتة والدم باعتبار الحال ولا باعتبار المآل، وكذلك جلد الميتة لا مالية فيه باعتبار الحال فإنه لو ترك كذلك فإنه يفسد وإنما تحدث فيه المالية بصنع مكتسب وهو الدباغة، ولهذا اتفق العلماء على بطلان هذا العقد، ولو قضى قاض بجوازه لم ينفذ قضاؤه، فلانعدام ما هو ركن العقد لم ينعقد العقد، لان انعقاده شرعا لا يكون بدون ركنه، وعلى هذا جوزنا بيع الدهن الذي وقع فيه نجاسة لان الدهن مال متقوم وبوقوع النجاسة فيه ما انعدم أصله ولا تغير وصفه إنما جاوره أجزاء النجاسة ولأجله حرم تناوله فيكون بمنزلة النهي الذي ورد لمعنى في غير المنهي عنه وهو غير متصل به وصفا، ومثل هذا النهي لا يمنع جواز العقد كما لا يمنع كمال العبادة، ولهذا يتأدى الفرض بأداء الصلاة في الأرض المغصوبة،