موجبا للعلم قطعا بمنزلة الثابت بالعبارة، ومنه ما لا يكون موجبا للعلم وذلك عند اشتراك معنى الحقيقة والمجاز في الاحتمال مرادا بالكلام.
ومن ذلك قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * فالثابت بالعبارة ظهور المنة للوالدة على الولد لان السياق يدل على ذلك، والثابت بالإشارة أن أدنى مدة الحمل ستة أشهر فقد ثبت بنص آخر أن مدة الفصال حولان كما قال تعالى: * (وفصاله في عامين) * فإنما يبقى للحمل ستة أشهر ولهذا خفي ذلك على أكثر الصحابة رضي الله عنهم واختص بفهمه ابن عباس رضي الله عنهما فلما ذكر لهم ذلك قبلوا منه واستحسنوا قوله.
ومن ذلك قوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * فالثابت بالعبارة وجوب نفقتها على الوالد فإن السياق لذلك، والثابت بالإشارة أحكام منها أن نسبة الولد إلى الأب لأنه أضاف الولد إليه بحرف اللام فقال: * (وعلى المولود له) * فيكون دليلا على أنه هو المختص بالنسبة إليه، وهو دليل على أن للأب تأويلا في نفس الولد وماله، فإن الإضافة بحرف اللام دليل الملك كما يضاف العبد إلى سيده فيقال هذا العبد لفلان، وإلى ذلك أشار رسول الله (ص) بقوله: أنت ومالك لأبيك ولثبوت التأويل له في نفسه وماله قلنا لا يستوجب العقوبة بإتلاف نفسه ولا يحد بوطئ جاريته وإن علم حرمتها عليه، والمسائل على هذا كثيرة، وهو دليل أيضا على أن الأب لا يشاركه في النفقة على الولد غيره لأنه هو المختص بالإضافة إليه والنفقة تبتني على هذه الإضافة كما وقعت الإشارة إليه في الآية، بمنزلة نفقة العبد فهي إنما تجب على سيده لا يشاركه غيره فيها، وفيه دليل أيضا على أن استئجار الام على الارضاع في حال قيام النكاح بينهما لا يجوز، لأنه جعل النفقة لها عليه باعتبار عمل الارضاع بقوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * فلا يستوجب بدلين باعتبار عمل واحد، وهو دليل أيضا على ما يستحق بعمل الارضاع من النفقة والكسوة لا يشترط فيه إعلام الجنس والقدر وإنما يعتبر فيه المعروف فيكون دليلا لأبي حنيفة رحمه الله في جواز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها.