مبيعا والمبيع الدين لا يكون إلا سلما، وعلى هذا لو قال لعبده إن أخبرتني بقدوم فلان فأنت حر، فهذا على الخبر الحق الذي يكون بعد القدوم، لان مفعول الخبر محذوف هنا وقد دل عليه حرف الباء الذي هو للالصاق، كقول القائل: بسم الله، أي بدأت بسم الله فيكون معنى كلامه إن أخبرتني خبرا ملصقا بقدوم فلان، والقدوم اسم لفعل موجود فلا يتناول الخبر بالباطل. ولو قال إن أخبرتني أن فلانا قد قدم فهذا على الخبر حقا كان أو باطلا، لأنه لما لم يذكر حرف الباء فالمذكور صالح لان يكون مفعول الخبر وأن وما بعده مصدر والخبر إنما يكون بكلام لا يفعل فكأنه قال إن أخبرتني بخبر قدوم فلان، والخبر اسم لكلام يدل على القدوم ولا يوجد عنده القدوم لا محالة. وعلى هذا قال في الزيادات: إذا قال أنت طالق بمشيئة الله أو بإرادته أو بحكمه لم تطلق، وكذلك سائر أخواتها، لان الباء للالصاق فيكون دليلا على معنى الشرط مفضيا إليه. وعلى هذا قال في الجامع: إذا قال لامرأته إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني تحتاج إلى الاذن في كل مرة، لان الباء للالصاق فإنما جعل المستثنى خروجا ملصقا بالاذن وذلك لا يكون إلا بتجديد الاذن في كل مرة، قال تعالى: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * أي مأمورين بذلك. ولو قال إن خرجت إلا أن آذن لك، فهذا على الاذن مرة (واحدة) لأنه يتعذر الحمل ههنا على الاستثناء لمخالفة الجنس في صيغة الكلام فيحمل على معنى الغاية مجازا لما بينهما من المناسبة، وعليه دل قوله تعالى: * (إلا أن يحاط بكم) *. * (إلا أن تقطع قلوبهم) *: أي حتى. ثم قال الشافعي في قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) *:
إن الباء للتبعيض فإنما يلزمه مسح بعض الرأس وذلك أدنى ما يتناوله الاسم.
وقال مالك: الباء صلة للتأكيد بمنزلة قوله تعالى: * (تنبت بالدهن) * كأنه قال وامسحوا رؤوسكم فيلزمه مسح جميع الرأس. وقلنا: أما التبعيض فلا وجه له لان الموضوع للتبعيض حرف من والتكرار والاشتراك لا يثبت بأصل الوضع، ولا وجه لحمله على الصلة لما فيه من معنى الالغاء أو الحمل على غير فائدة مقصودة