ما اتفقوا عليه، وقد قررنا هذا في الخبر المتواتر، ومن أنكر كون الاجماع حجة موجبة للعلم فقد أبطل أصل الدين فإن مدار أصول الدين ومرجع المسلمين إلى إجماعهم فالمنكر لذلك يسعى في هدم أصل الدين. وسنقرر هذا في آخر الفصل.
ثم الدليل على أن الاجماع من هذه الأمة حجة موجبة شرعا، وأنهم إذا اجتمعوا على شئ فالحق فيما اجتمعوا عليه قطعا، وإذا اختلفوا في شئ فالحق لا يعدوهم أصلا الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) * وكلمة خير بمعنى أفعل فيدل على النهاية في الخيرية وذلك دليل ظاهر على أن النهاية في الخيرية فيما يجتمعون عليه، ثم فسر ذلك بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وإنما جعلهم خير أمة بهذا، والمعروف المطلق ما هو حق عند الله تعالى، فأما ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهدين فإنه غير معروف مطلقا، إذ المجتهد يخطئ ويصيب ولكنه معروف في حقه على معنى أنه يلزمه العمل به ما لم يتبين خطؤه، ففي هذا بيان أن المعروف المطلق ما يجتمعون عليه.
فإن قيل: هذا يقتضي كون كل واحد منهم آمرا بالمعروف كما ذكرنا في موجب الجمع المضاف إلى جماعة وبالاجماع اجتهاد كل واحد منهم بانفراده لا يكون موجبا للعلم قطعا. قلنا: لا بل المراد هنا أن جميع الأمة أو أكثرهم بهذه الصفة، ونظيره قوله تعالى: * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك) *. * (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) * وكان ذلك من بعضهم. ويقال في بذلة الكلام: بنو هاشم حكماء، وأهل الكوفة فقهاء، وإنما يراد بعضهم، فيتبين بهذا التحقيق أن المراد بيان أن الأكثر من هذه الأمة إذا اجتمعوا على شئ فهو المعروف مطلقا، وأنهم إذا اختلفوا في شئ فالمعروف المطلق لا يعدو أقوالهم، وقال تعالى: * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين) * الآية، فقد جعل الله اتباع غير سبيل المؤمنين بمنزلة مشاقة الرسول في استيجاب النار. ثم قول الرسول موجب للعلم قطعا فكذلك ما اجتمع عليه المؤمنون، ولا يجوز أن يقال المراد اجتماع الخصلتين لان في ذكرهما دليلا على أن تأثير أحدهما كتأثير الآخر، بمنزلة قوله تعالى: * (والذين لا يدعون مع الله