والاقرار باللسان بعد المعرفة فرض مقطوع به، إلا أن التصديق مستدام في جميع العمر لا يجوز تبديله بغيره بحال، والاقرار لا يكون واجبا في جميع الأحوال وإن كان لا يجوز تبديله بغيره من غير عذر بحال، والعبادات التي هي أركان الدين مقدرة متناهية مقطوع بها. وحكم هذا القسم شرعا أنه موجب للعلم اعتقادا باعتبار أنه ثابت بدليل مقطوع به ولهذا يكفر جاحده، وموجب للعمل بالبدن للزوم الأداء بدليله، فيكون المؤدي مطيعا لربه والتارك للأداء عاصيا، لأنه بترك الأداء مبدل للعمل لا للاعتقاد وضد الطاعة العصيان ولهذا لا يكفر بالامتناع عن الأداء فيما هو من أركان الدين، لا من أصل الدين إلا أن يكون تاركا على وجه الاستخفاف فإن استخفاف أمر الشارع كفر، فأما بدون الاستخفاف فهو عاص بالترك من غير عذر، فاسق لخروجه من طاعة ربه، فالفسق هو الخروج، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها، ولهذا كان الفاسق مؤمنا لأنه غير خارج من أصل الدين وأركانه اعتقادا، ولكنه خارج من الطاعة عملا، والكافر رأس الفساق في الحقيقة إلا أنه اختص باسم هو أعظم في الذم، فاسم الفاسق عند الاطلاق يتنازل المؤمن العاصي باعتبار أعماله.
فأما الواجب فهو ما يكون لازم الأداء شرعا ولازم الترك فيما يرجع إلى الحل والحرمة، والاسم مأخوذ من الوجوب وهو السقوط، قال الله تعالى: * (فإذا وجبت جنوبها) *: أي سقطت على الأرض، فما يكون ساقطا على المرء عملا بلزومه إياه من غير أن يكون دليله موجبا للعلم قطعا يسمى واجبا، أو هو ساقط في حق الاعتقاد قطعا وإن كان ثابتا في حق لزوم الأداء عملا، والفرض والواجب كل واحد منهما لازم إلا أن تأثير الفرضية أكثر، ومنه سمي الحز في الخشبة فرضا لبقاء أثره على كل حال، ويسمى السقوط على الأرض وجوبا لأنه قد لا يبقى أثره في الباقي، فما كان ثابتا بدليل موجب للعمل والعلم قطعا يسمى فرضا، لبقاء أثره وهو العلم به أدى أو لم يؤد، وما كان ثابتا بدليل موجب للعمل غير موجب للعلم يقينا باعتبار شبهة في طريقه يسمى واجبا، وقيل الاسم مشتق من الوجبة وهي الاضطراب قال القائل: