بتكرر الحول بمنزلة تكرر وجوب الزكاة، فإن المعنى الذي كان الرأس سببا موجبا باعتبار نصرة القتال، وهذا لان أهل الذمة يصيرون منا دارا، والقتال بنصرة الدار واجب على أهلها، ولا تصلح أبدانهم لهذه النصرة لميلهم إلى أهل الدار المعادية لدارنا اعتقادا فأوجب عليهم في أموالهم جزية عقوبة لهم على كفرهم، وخلفا عن النصرة التي قامت بإصرارهم على الكفر في حقنا، ولهذا تصرف إلى المجاهدين الذين يقومون بنصرة الدار، وهذه النصرة يتجدد وجوبها بتجدد الحاجة في كل وقت، فكذلك ما كان خلفا عنها بتجدد وجوبها، إلا أنه لا نهاية للحاجة إلى المال فيعتبر الوقت لتجدد الوجوب كما يعتبر في الزكاة.
وسبب وجوب العقوبات ما يضاف إليه نحو الزنا للرجم والجلد، والسرقة للقطع، وشرب الخمر والقذف للحد، والقتل العمد للقصاص.
وسبب وجوب الكفارات التي هي دائرة بين العقوبة والعبادة ما يضاف إليه من سبب متردد بين الحظر والإباحة نحو اليمين المعقودة على أمر في المستقبل إذا حنث فيها، والظهار عند العود، والفطر في رمضان بصفة الجناية، والقتل بصفة الخطأ.
فأما سبب المشروع من المعاملات فهو تعلق البقاء المقدور بتعاطيها، وبيان ذلك أن الله تعالى حكم ببقاء العالم إلى قيام الساعة، وهذا البقاء إنما يكون ببقاء الجنس وبقاء النفس، فبقاء الجنس بالتناسل، والتناسل بإتيان الذكور الإناث في موضع الحرث، والانسان هو المقصود بذلك، فشرع لذلك التناسل طريقا لا فساد فيه ولا ضياع، وهو طريق الازدواج بلا شركة، ففي التغالب فساد العالم، وفي الشركة ضياع الولد لان الأب إذا اشتبه يتعذر إيجاب مئونة الولد عليه، وبالأمهات عجز عن اكتساب ذلك بأصل الجبلة فيضيع الولد، وبقاء النفس إلى أجله إنما يقوم بما تقوم