على أنه مؤدي الواجب متى أداه إيضاح لما قلنا. وبهذا تبين فساد ما قال إن المصلحة في الأداء غير معلوم إلا في أول أوقات الامكان فإن المطالبة بالأداء وامتثال الامر لا يحصل إلا به، ألا ترى أن بعد الانتساخ لا يبقى ذلك؟ فعرفنا أن بمطلق الامر يصير معنى المصلحة في الأداء معلوما له في أي جزء أداه من عمره ما لم يظهر ناسخه، والتفويت حرام كما قال إلا أن الفوات لا يتحقق إلا بموته وليس في مجرد التأخير تفويت لأنه متمكن من الأداء في كل جزء يدركه من الوقت بعد الجزء الأول حسب تمكنه في الجزء الأول، وموت الفجأة نادر، وبناء الاحكام على الظاهر دون النادر.
فإن قيل: فوقت الموت غير معلوم له وبالاجماع بعد التمكن من الأداء إذا لم يؤد حتى مات يكون مفرطا مفوتا آثما فيما صنع فبه يتبين أنه لا يسعه التأخير. قلنا الوجوب ثابت بعد الامر، والتأخير في الأداء مباح له بشرط أن لا يكون تفويتا، وتقييد المباح بشرط فيه خطر مستقيم في الشرع كالرمي إلى الصيد مباح بشرط أن لا يصيب آدميا، وهذا لأنه متمكن من ترك هذا الترخص بالتأخير ولا ينكر كونه مندوبا للمسارعة إلى الأداء. قال الله تعالى: * (فاستبقوا الخيرات) * فقلنا بأنه يتمكن من البناء على الظاهر من التأخير ما دام يرجو أن يبقى حيا عادة، وإن مات كان مفرطا لتمكنه من ترك الترخص بالتأخير. ثم هذا الحكم إنما يثبت فيما لا يكون مستغرقا لجميع العمر فأما ما يكون مستغرقا له فلا يتحقق فيه هذا المعنى، واعتقاد الوجوب مستغرق جميع العمر، وكذلك الانتهاء الذي هو موجب النهي يستغرق جميع العمر. فأما أداء الواجب فلا يستغرق جميع العمر فلا يتعين للأداء جزء من العمر إلا بدليل، فإن جميع العمر في أداء هذا الواجب كجميع وقت الصلاة لأداء الصلاة وهناك لا يتعين الجزء الأول من الوقت للأداء فيه على وجه لا يسعه التأخير عنه، فكذلك ههنا.
ومن أصحابنا من جعل هذا الفصل على الخلاف المشهور بين أصحابنا في الحج