قال رضي الله عنه: وقد رأيت لبعض من صنف في هذا الباب أنه ألحق المحذوف بالمقتضى وسوى بينهما، فخرج على هذا الأصل قوله تعالى: * (واسأل القرية) * وقال المراد الاهل، يثبت ذلك بمقتضى الكلام لان السؤال للتبيين فإنما ينصرف إلى من يتحقق منه البيان ليكون مفيدا دون من لا يتحقق منه، وقال عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولم يرد به العين لأنه يتحقق مع هذه الاعذار فلو حمل عليه كان كذبا ولا إشكال أن رسول الله (ص) كان معصوما عن ذلك، فعرفنا بمقتضى الكلام أن المراد الحكم. ثم حمله الشافعي على الحكم في الدنيا والآخرة قولا بالعموم في المقتضى وجعل ذلك كالمنصوص عليه ولو قال رفع عن أمتي حكم الخطأ كان ذلك عاما، ولهذا الأصل قال لا يقع طلاق الخاطئ والمكره ولا يفسد الصوم بالاكل مكرها. وقلنا لا عموم للمقتضي وحكم الآخرة وهو الاثم مراد بالاجماع وبه ترتفع الحاجة ويصير الكلام مفيدا فيبقى معتبرا في حكم الدنيا. كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: الأعمال بالنيات ليس المراد عين العمل فإن ذلك متحقق بدون النية وإنما المراد الحكم ثبت ذلك بمقتضى الكلام.
فقال الشافعي يعم ذلك حكم الدنيا والآخرة فيما يستدعي القصد والعزيمة من الأعمال قولا بعموم المقتضى. وقلنا المراد حكم الآخرة وهو أن ثواب العمل بحسب النية، لان ثبوته بطريق الاقتضاء ولا عموم للمقتضى. وعندي أن هذا سهو من قائله فإن المحذوف غير المقتضى لان من عادة أهل اللسان حذف بعض الكلام للاختصار إذا كان فيما بقي منه دليل على المحذوف، ثم ثبوت هذا المحذوف من هذا الوجه يكون لغة وثبوت المقتضى يكون شرعا لا لغة، وعلامة الفرق بينهما أن المقتضى تبع يصح باعتباره المقتضي إذا صار كالمصرح به والمحذوف ليس بتبع بل عند التصريح به ينتقل الحكم إليه لا أن يثبت ما هو المنصوص، ولا شك أن ما ينقل غير ما يصحح المنصوص. وبيان هذا أن في قوله أعتق عبدك عني محذوفا ويثبت التمليك بطريق الاقتضاء ليصح المنصوص، وفي قوله: * (واسأل القرية) * الاهل محذوف للاختصار