بدليل الاجماع فبقي الجواز عنده ولم يبق عندنا، وحجته في ذلك أن من ضرورة وجوب الأداء جواز الأداء والثابت بضرورة النص كالمنصوص، وليس من ضرورة انتفاء الوجوب انتفاء الجواز فيبقى حكم الجواز بعدما انتفى الوجوب بالدليل، واستدل عليه بصوم عاشوراء فبانتساخ وجوب الأداء فيه لم ينتسخ جواز الأداء، ولكنا نقول:
موجب الامر أداء هو متعين على وجه لا يتخير العبد بين الاقدام عليه وبين تركه شرعا، والجواز فيما يكون العبد مخيرا فيه، وبينهما مغايرة على سبيل المنافاة، فإذا قام الدليل على انتساخ موجب الامر لا يجوز إبقاء غير موجب الامر مضافا إلى الامر.
قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن بانتفاء حكم الوجوب لقيام الدليل ينتسخ الامر ويخرج من أن يكون أمرا شرعا والمصير إلى بيان موجبه ابتداء وبقاء في حال ما يكون أمرا شرعا، فأما بعد خروجه من أن يكون أمرا شرعا فلا معنى للاشتغال بهذا التكليف، وبعدما انتسخ الامر بصوم عاشوراء لا نقول جواز الصوم في ذلك اليوم موجب ذلك الامر، بل هو موجب كون الصوم مشروعا فيه للعبد كما في سائر الأيام، وقد كان ذلك ثابتا قبل إيجاب الصوم فيه بالامر شرعا فبقي على ما كان، حتى إذا بقي الامر يبقى حكم الجواز عندنا، ولهذا قلنا: الصحيح المقيم إذا صلى الظهر في بيته يوم الجمعة جازت صلاته، والواجب عليه في المصر أداء الجمعة بعدما شرعت الجمعة ولكن بقي أصل أمر أداء الظهر ولهذا يلزمه بعد مضي الوقت قضاء الظهر، ولو شهد الجمعة بعد الظهر كان مؤديا فرض الوقت، فبه تبين أن الواجب أداء الجمعة دون أداء الظهر، إذ الواجب إسقاط فرض الوقت بأداء الجمعة، فكذلك يجب نقض الظهر المؤدي بأداء الجمعة ولهذا سوينا بذلك بين المعذور وغير المعذور، لأن جواز ترك أداء الجمعة للمعذور رخصة فلا يتغير به حكم ما هو عزيمة، والله أعلم.
فصل: في بيان صفة الحسن لما هو شرط أداء اللازم بالامر قال رضي الله عنه: اعلم أن من شرط وجوب أداء المأمور به القدرة التي بها يتمكن المأمور من الأداء، لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * ولان الواجب أداء ما هو عبادة، وذلك عبارة عن فعل يكتسبه العبد عن اختيار ليكون معظما فيه ربه فينال الثواب وذلك لا يتحقق بدون هذه القدرة، غير أنه لا يشترط وجودها وقت الامر لصحة الامر، لأنه لا يتأدى المأمور بالقدرة الموجودة وقت الامر بحال،